الجزائر قادرة على تجاوز الأزمة
تصدّرت أحداث الجزائر عناوين نشرات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي، وتباينت الآراء بين مؤيد لـ “النزول إلى الشارع”، ومرتاب من التدخلات الخارجية، التي من شأنها الوقوع في ما لا يحمد عقباه.
يمكن القول: إن المطالبة بإجراء إصلاحات، تفرضها حركة التاريخ والتبدّل التي طرأت على العالم، وأصبح فيها التغيير والتجديد أمراً حتمياً، هو مطلب محق وشأن داخلي يكفله الدستور الجزائري، وعلى الجميع احترامه. هذا بالمجمل جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ينحاز لمطالب المتظاهرين، وجاء إعلانه سحب ترشّحه من سباق الرئاسة وتأجيل الانتخابات وعقد ندوة حوار وطنية لإقرار الإصلاحات اللازمة وكتابة دستور جديد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، ما يعني أنه اتخذ خطوة تستجيب لأصوات الشارع.
ولكن عندما يتواجد الفرنسي المتصهين برنار هنري ليفي في ساحات الجزائر ودعوته الناس للاستمرار في التظاهر حتى “إسقاط النظام”، وكذلك مطالبة عادل الجبير الدولة الجزائرية احترام حرية التعبير، أضف إلى ذلك ارتفاع أصوات تيارات سلفية وإخوانية تتبنى ذات خطاب هنري ليفي فهذا يعني أن هناك أطرافاً دولية تريد تخريب الجزائر وجعلها وجهة جديدة للتنظيمات التكفيرية، التي تنهار تباعاً في منطقتنا، ولكن الغرب يعمل على مواصلة الاستثمار فيها في دولة أخرى، وتكرار ذات السيناريو الذي حدث في سورية والعراق وليبيا، من خلال استغلال الحراك الشعبي لتنفيذ أجندات أبعد ما تكون عن رغبات الشعب.
ولو عدنا ثماني سنوات إلى الوراء وقراءة ما تسرّب عن دور أجهزة الاستخبارات الفرنسية والبريطانية، وما تناقلته وسائل إعلام غربية، نرى أنها تؤكّد بالمجمل أن استهداف الجزائر كان على رأس أولويات “ربيع الخراب”، لكن الفرصة لم تتح لدول الاستعمار القديم الجديد بفتح ثغرة في الجدار الجزائري في ذلك الحين، فكان ضرب ليبيا وتحويلها إلى الحال الذي نراه اليوم من اقتتال داخلي وفشل في تشكيل نظام حكم جديد، وذلك نظراً لاختلاف أجندات المتدخلين الخارجيين، وحرصهم على إبقاء الحال على ما هو عليه الآن لاستنزاف ثروات البلاد في صفقات السلاح الفرنسية والإيطالية وغيرها.
الإشارات الآتية من الخارج الجزائري لا تبشّر بالخير، وتؤكّد أن الضغوط على الدولة الجزائرية ستزداد في المرحلة القادمة، والتي قد تصل إلى طلب عقد جلسات لمجلس الأمن، في حال تأخّرت “الإصلاحات المعلنة”، أو عدم رضاهم عمّا ستؤول إليه الأمور، تزامناً مع تحريك الخلايا النائمة في الداخل الجزائري بتمويل خليجي، وتوجيه إرهابيي القتل الجوال نحو الجزائر، خاصة في ضوء رفض الدول الأوروبية عودة الإرهابيين الذين قاتلوا في صفوف “داعش” في سورية والعراق، وهم سيبذلون كل ما بوسعهم لاختلاق بؤر صراع جديدة تؤجّل عودتهم، والانطلاق من جديد في مشروعهم التدميري الهدام في المغرب العربي، بعد فشلهم في مشرقه.
لكن الشعب الجزائري، الذي قدّم أكثر من مليون شهيد لطرد الاستعمار الفرنسي، ومر في تسعينيات القرن الماضي في تجربة مريرة – العشرية السوداء- ولديه حساسية كبيرة من التدخل الخارجي ويتمتع بحس وطني وعروبي قلّ نظيره، وبالتعاون مع الجيش، الذي تعهّد بصون أمن البلاد، قادر على تجاوز الأزمة، وفق ما يلبي تطلعات شعبنا الأصيل في الجزائر، ليبقى كما عهدناه مضرباً للمُثل في الشموخ والإباء والدفاع عن قضايا الأمة المحقّة، وقطع الطريق على المستعمرين والمتآمرين والساعين لإبقاء النار مشتعلة خارج حدودهم.