الثقافة المبتورة
يصر أحد أصدقائي وهو من الأقلام الشعرية الواعدة بشهادة الكثيرين كما يزعم أن يتعامل مع مفهوم الثقافة وجوانبها المختلفة بشيء من التعصب، ولطالما وصف تعصبه بالإيجابي إذا صح القول، مع قناعتي التامة بعدم وجود ما يسمى بالتعصب الإيجابي، لأن التطرف أيا كان نوعه سيحمل في طياته شيئا من السلبية ورفض الآخر، وما يهمنا هنا أن هذا الصديق لا يلقي بالاً، بل ويرفض رفضا قاطعا ما ينشر عبر الصحف تحت مسمى الثقافة إن لم يكن شعرا أو قصة، إضافة للسينما والمسرح وبعض جوانب الأدب الأخرى، لأن هذه الجوانب باعتقاده هي الممثل الوحيد للثقافة وما عدا ذلك فإنه يدخل في تصنيفات أخرى مغايرة، ومن يبحث في هذه الظاهرة إذا صح القول أن نسميها بالظاهرة وعسى ألا تكون كذلك، سيجدها للأسف منتشرة بين الكثيرين ممن لايحسنون قراءة مفهوم الثقافة وما تتضمنه عموما والتعاطي مع ذلك بإنصاف، كل ذلك والرأي شخصي، يفقد الثقافة الكثير من رونقها وشموليتهاويضعها في خندق ضيق، أسئلة بسيطة قد تكون كافية لتوضيح ما أعنيه، ترى أليست العادات والتقاليد التي اكتسبناها بالتنشئة الاجتماعية من جوهر الثقافة، أليست اللغة وكل مايتعلق بها من علوم من روح الثقافة والأمر ينسحب ببساطة على الأزياء وطرق إلقاء التحية في مجتمع ما وحتى أساليب الطهي وأنواع الطعام التي انتقلت من مجتمع لآخر وكانت الجزءالأهم من تلاقح ثقافي حصل بين المجتمعات بالتأكيد حصل تبادل ثقافي على صعيد الترجمة ونقل المعارف والعلوم، لكن التبادل الأهم كان عفويا وأكثر تأثيرا ويكفينا أن نبحث في تاريخ طرق التجارة القديمة كالحرير وطريق البخور وغيرها على مستوى العالم والتي دخل بعضها في قائمة التراث العالمي ليس لدورها الاقتصادي والتجاري بل للبعد الثقافي الذي حملته عبرمراحل تاريخية لأنها نقلت الأهم وهو الثقافة وعرفت المجتمعات على الكثير من عادات وتقاليد الآخرين والتي أصبحت عبر الزمن جزءا مهما من المجتمع الجديد، ما أريد قوله هنا أنه ومن باب الأمانة من واجبنا أن نقدم الثقافة بجوانبها المتنوعة وألا نبخس أي جانب حقه بفصله عن مرجعيته الثقافية، لأننا بإغفاله أو فصله سنقدمه بصورة مشوهة وفي الجانب الآخر سنحرم الثقافة أحد جوانبها المهمة وحينها سنكون أمام ثقافة مبتورة .
جلال نديم صالح