بعد تأخرها لأكثر من عامين! تعديلات “دسمة” تنتظرها قطاعاتنا الاقتصادية بعد دمج المرسومين 68 و43 بقانون تأميني جديد
إحداث تغييرات جوهرية في توظيف أموال شركات التأمين بالعملية الاستثمارية لدعم الاقتصاد الوطني، وإحداث برامج تأمينية تعوِّض الآثار السلبية للأزمة التي لحقت بالمواطن وجهات التأمين المختلفة، وبالتالي إصدار قانون تأمين جديد يواكب التطورات المتسارعة التي يشهدها هذا القطاع على المستويين التشريعي والتنظيمي، وبما يتناسب مع متطلبات سوق التأمين والوضع الاقتصادي الحالي، هذه هي ثلاثية (الأهداف والأهمية) لتعديل المرسومين التشريعيين: 68 لعام 2004، و 43 لعام 2005، الخاصين بتنظيم عمل هيئة الإشراف على التأمين، وتنظيم قطاع التأمين بشكل عام.
المرسومان اللذان وصفهما وزير المالية بالقانونين تارة وبالمرسومين تارة أخرى، ليعود ويؤكد أنهما قانونان..!؟ وكان ذلك خلال تصريح له على هامش الاجتماع الذي ترأسه في الرابع من شهر آذار الجاري، وضم كلاً من هيئة الإشراف على التأمين والمؤسسة السورية للتأمين، وتم فيه مناقشة تعديل المرسومين والأسباب الموجبة لذلك، احتاجا لأكثر من عامين حتى وضعا على طاولة التعديل أخيراً..! حيث كان وزير المالية قد أصدر في كانون الأول من عام 2016، قراراً قضى بتشكيل لجنة لدراسة تعديل المرسوم 43، المتضمن تنظيم أعمال قطاع التأمين في سورية، وأمهلها شهراً واحداً لإنجاز مهامها، أي أن تكون الدراسة جاهزة بداية العام 2017، والهدف بحسب الوزير، هو دمجهما في قانون تأمين جديد واحد شامل جامع شفاف، قادر على تلبية متطلبات تطور هذا القطاع، عبر تضمينه لأفكار جديدة تقدم للمستثمرين والصناعيين ورجال الأعمال منتجات تأمينية.
حرص متأخر..!؟
أما بالنسبة للأسباب الموجبة ألتي أقنعت أصحاب “الأمر والنهي”، أن الوقت قد حان لاتخاذ قرار التعديل والمباشرة بذلك، فيبين واضعو التعديل أن مرد تلك الموجبات كان نتيجة للتطورات المتسارعة التي شهدها الاقتصاد السوري، على مستوى الإصلاح التشريعي والتنظيمي وعلى المستوى الرقابي، وكذلك لحاجة قطاع التأمين إلى مواكبة هذا التطور، وخاصة بعد انتهاء الأزمة الحالية، لما لهذا القطاع من تأثيرات استثمارية إيجابية تتطلبها ضرورات مرحلة إعادة الإعمار، في عمليتي التأمين وإعادة التأمين.
“الحرص الحكومي” على أن يعكس هذا القانون الصورة الحضارية لتطور الاقتصاد السوري، كما صرح الوزير، ورغم أنه جاء متأخراً أكثر من سنتين..! عجَّل بالإنجاز، ليتم قبل أيام تحديد نقاط بارزة تضمّنها مشروع هذا القانون، وهي ذاتها النقاط التي تشكل معاً موجبات وتعديلات المرسوم حسبما أكدت لنا هيئة الإشراف.
تعديلات دسمة..
ثماني نقاط، أو بالأصح تعديلات “دسمة”، حصلت الـ”البعث” على نسخة منها، لا ندري لِمَ احتاجت كل هذا التأخير كي توضع الآن بانتظار إقرارها وإعلانها في قالبها التشريعي (متى؟ لا نعلم..!؟)، ومع ذلك لا يسعنا إلاَّ أن نردد مقولة: “أن تصل متأخراً خير من ألاَّ تصل أبداً”، رغم تحفظنا على هذا المبدأ الذي دون أدنى شك كان له ثمن مالي واستثماري تراكمي غير هينٍ مطلقاً، وكذلك منعكسات تأمينية وتوظيفية وتشغيلية أكثر أهمية، من خلال مقدار خسارة ما يسمى حسابات “فوات المنفعة” لتلك الأموال التي تملكها شركات التأمين والبالغة قبل عامين أو أكثر نحو 37 ملياراً، والتي من المرجح أنها زادت أكثر حالياً. وفي هذه المادة سنكتفي بالتعديلات التي أجريت على المرسوم التشريعي 43، وأبرزها إحداث صناديق استثمارية، تُعنى باستثمار فوائض أموال شركات التأمين، معطوفاً عليها تعديل آخر، وهو إحداث صناديق تأمينية، تُعنى بأنواع التأمينات ذات الطبيعة الخاصة (التأمينات الزراعية – المواشي).
وجديدة..
وإضافة إلى المذكور هناك تعديلات جديدة أيضاً لا تقل أهمية، منها إيجاد ضمانات جديدة للقروض الممنوحة من المصارف، أي ما يسمى (التأمين على الائتمان)، وأيضاً ابتكار منتجات تأمينية (التأمينات الصغيرة)، تعوّض الأثر السلبي للأزمة وتلبي شريحة ذوي الدخل المحدود، إلى جانب تعديل يصب في مصلحة تسريع إجراءات التقاضي لتحقيق قواعد العدالة والإنصاف بعمليات (التحكيم القضائي)، وفوق ذلك وضع أسس لعمليات التأمين التكافلي. كذلك تناول مشروع القانون موضوع إعادة هيكلة الشركة، وهو مفهوم جديد لم يسبق أن عالجته أي من التشريعات الأخرى، ويشمل إعادة هيكلة إدارة الشركة وتنظيم أمورها المالية المتعثرة. سبعة تعديلات سابقة أدرجت بعد أول تعديل، لكن تعمدنا ذكره ثامناً تراتبياً كونه الحاضن لكل ما سبق، وهو: “المرونة في تحديد الحد الأدنى لرأسمال شركة التأمين وإعادة التأمين”، مرونة لا زلنا نفتقدها في الوقت والمكان المناسبين..!
لماذا..؟!
وختاماً نسأل: ما المعايير التي تحكم “المرونة” حين تقتضي تشريعاتنا وقوانيننا التعديل في الوقت الواجب إجراء التعديل فيه ولا نعدّل، ونحن نعلم ما يمكن أن نخسره وما يمكن أن نربحه من أثمان وفوائد وعوائد نتيجة لتطبيق المرونة أو عدم التطبيق في التوقيت المناسب، وكما في ظروف الأزمات كذلك في زمن الانفراجات الاقتصادية على حد سواء…؟!
رحم من قال: “لا تكن صلباً فتكسر، ولا تكن ليناً فتعصر”، ولمن لا يعلم وقد يختلط عليه الأمر أو يلتبس، نؤكد أن المرونة وسط، وهي أبداً غير الليونة، فلماذا لا نكون مرنين بالوقت المناسب حين يُطلب التعديل، ولماذا التأخير الذي أدى لضياع الكثير من الفرص ذات العائدات الاستثمارية والمالية والتنموية..!؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com