أخبارصحيفة البعث

قيادة المرحلة نحو تحقيق الحلم الصيني

 

في “الدورتين” – وهو حدث سنوي رئيسي في التقويم السياسي للصين- ظهرت خارطة طريق أكثر تفصيلاً لتحقيق حلم تجديد شباب الأمة الصينية. إن الجلسات المتزامنة تقريباً التي تعقدها أعلى هيئة تشريعية وأعلى جهاز استشاري سياسي في شهر آذار من كل عام، تعد وقتاً لقياس تطوّر البلاد وتتمّ متابعتها عن كثب، في عالم يسعى إلى اليقين في عصر عدم اليقين.
وفي العام الماضي، نما الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 6.6 بالمائة ليتجاوز 90 تريليون يوان (13.4 تريليون دولار أمريكي). وتمّ تحديد هدف النمو لعام 2019 عند 6- 6.5 بالمئة، وهو ما يدل على عدم تغيُّر الاتجاه التصاعدي طويل الأجل للاقتصاد. فإن بلداً يبلغ تعداده السكاني نحو 1.4 مليار نسمة يسير على المسار السريع للتحديث الاشتراكي.
إن هذا الإنجاز يعود إلى قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفي قلبها شي جين بينغ، إلى جانب العمل الشاق والمثابرة للشعب الصيني. وكان هذا هو الإجماع لدى نحو 5000 مشرع ومستشار سياسي.
وقد حدد الرئيس شي، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، أولويات حكمه وأظهر عزيمته الاستراتيجية.
وحضر شي في “الدورتين”، الجلسات العامة، وزار المستشارين السياسيين، وانضم إلى المداولات مع زملائه النواب في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.
وتحدّث شي عن مجموعة واسعة من الموضوعات ووجّه التعليمات المتعلّقة بالسياسات بشأنها، وهي: الحفاظ على العزم في حماية البيئة، وعدم ادخار أي جهد في مكافحة الفقر، وتجديد شباب الريف، وحفز الابتكار وأنشطة الأعمال، وتعزيز الثقة الثقافية، من بين أمور أخرى.
إن هذه القضايا لا تعد مهمة بالنسبة للصين فحسب، بل إنها مهمة أيضاً بالنسبة للبلدان النامية الأخرى التي لديها رغبة مشتركة في تسريع التحديث.
الشعب أولاً
يقع منزل جيهاويهتشيو على تل بين الجبال في مقاطعة سيتشوان بجنوب غربي الصين. وتعتبر المنطقة واحدة من آخر جيوب الفقر المدقع في البلاد. وقد تعهّدت الصين بالقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2020. وفي العام الماضي، قبيل حلول العام القمري الصيني الجديد، جاء شي لزيارة جيهاويهتشيو في منزله المتهالك.
تمّ التقاط هذا المشهد في صورة معلّقة الآن في غرفة المعيشة في شقة جيهاويهتشيو الجديدة، التي تبلغ مساحتها 100 متر مربع. ومن دواعي سروره، إن جيهاويهتشيو سمع اسمه في خطاب ألقاه الرئيس شي في خطاب متلفز بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة عشية عام 2019. وقال: إن “جميع أفراد الأسرة صفقوا وهللوا فرَحَاً”.
تم نقل الأسرة من الجبال مع 100 آخرين في القرية. وتحسنت الحياة. ويملأ جيهاويهتشيو غرفة التخزين الخاصة به بالوجبات الخفيفة والمشروبات وهو يخطط لإنشاء متجر صغير. كان لديه رمز الاستجابة السريعة الخاص به جاهزاً على الباب للعملاء للبحث عن المعاملات بواسطة الهاتف المحمول.
في جميع أنحاء الصين، تخطى أكثر من 13.86 مليون فقير، خط الفقر في العام الماضي. وتقلّص عدد الفقراء في البلاد من 98.99 مليون إلى 16.6 مليون في السنوات الست الماضية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن الصين ساهمت بأكبر قدر في تخفيف وطأة الفقر في العالم خلال العقد الماضي.
ويعد شي القائد الأعلى للحرب ضد الفقر. وقد زار جميع المناطق الـ 14 الأكثر فقراً في البلاد. وفي “الدورتين” لهذا العام، أوضح هدفه مجدداً حينما قال: “لا عودة إلى الوراء حتى تحقيق نصر مؤزّر”.
إن ما تسعى إليه الصين ليس مجرد التحرّر من الفقر لشعبها. فهناك الديمقراطية وسيادة القانون والإنصاف والعدالة وبيئة جيدة، ومجتمع رغيد الحياة باعتدال يجب أن يحقق كل ما يتوق إليه الشعب الصيني. كما أن الهواء النظيف والماء الآمن والتربة غير الملوثة، هي بعض الأمور الأشد إلحاحاً. وقد لاحظ شي ذلك، وطالب بعزم قوي في الالتزام بالتنمية الخضراء حتى في ظل الصعوبات الاقتصادية.
وقال شي عند المناقشة مع مشرعين من منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم الأسبوع الماضي: “لا تستخف مطلقاً بفكرة التضحية بالبيئة من أجل النمو. لا يمكن تجاوز الخط الأحمر الإيكولوجي”.
وقال فيما يتعلق بمكافحة التلوث والوقاية منه: “يجب أن نصبر ونتسلق هذا المنحدر ونعبر هذا المرتفع”.
وقال جيا رون آن، مدير مصنع كيماويات الفحم الذي تناقش مع شي في اللجنة، إنه أصبح يدرك أنه مع ترك التلوث بدون حل، فلن يكون هناك “مجتمع رغيد الحياة باعتدال”.
ويطلق على مكافحة الفقر والتلوث ونزع فتيل المخاطر الرئيسية “المعارك الثلاث الحاسمة”. إن النجاح في هذه المعارك يعد المفتاح لضمان تحمّل مجتمع رغيد الحياة باعتدال لاختبار الزمن. وسعت السلطات الصينية إلى معالجة جميع القضايا الملحة التي تهم الشعب، الذي يمثّل خُمْس سكان العالم، من البيئة إلى سلامة الغذاء والدواء، والقانون والنظام، والرعاية الصحية الجيدة، والتعليم الجيد، والسكن ميسور التكلفة.
وعلى مدار العام الماضي، تمّ توفير 13.61 مليون وظيفة في المناطق الحضرية، وتمّ تجديد منازل متهالكة لـ 14 مليون شخص، وتمّ تأهيل حوالي 80 مليون شخص للحصول على تخفيضات ضريبية على الدخل الشخصي، وأُدرج 17 عقاراً لعلاج السرطان في برنامج التأمين الطبي، واستقرت أسعار المساكن في المدن الرئيسية. وشملت القائمة حتى أشياء مثل المراحيض.
وخلال “الدورتين”، سأل شي نائباً ريفياً بالتفصيل عن كيف يمضي رفع مستوى المراحيض في الريف، قائلا له: “هل لديك مراحيض مزودة بنظام شطف أو لا تزال تستخدم نظام الحفر”.
وخلال حديثه مع نواب من مقاطعة خنان، سمع شي رئيس القرية لي ليان تشنغ يلخّص التوقعات العامة لسكان الريف: مدارس ومستشفيات جيدة ووظائف قريبة من المنازل وبيئة رائعة.
ويتمتع شي بكونه قريباً من الشعب. فخلال كل جولة من جولات التفقد الداخلية، قام بزيارة منازل أو مكاتب الأشخاص العاديين العاملين. ويظهر وسط حشد بشكل عارض، ويتوقّف للتحدّث مع الناس. وعند زيارة المناطق الريفية، كان يسأل الناس في كثير من الأحيان عن احتياجاتهم وتوقعاتهم، وقال شي: إن “هدفنا الأساسي يكمن في خدمة الشعب، وتركيز جهودنا على تلبية تطلعاتهم للعيش حياة أفضل، الشعب أساس الحكم”.
مزيد من الإصلاحات والانفتاح
إن قيادة أكبر دولة نامية في العالم ليست مهمة سهلة. وما يضاعف ذلك، الشعور بعدم اليقين المتزايد في الاقتصاد العالمي.
وتواجه الصين تغيّرات عميقة في البيئة الخارجية – انتكاسات في العولمة الاقتصادية وتحديات أمام التعددية- والآلام المتزايدة لتحولها الاقتصادي.
وسط الكثير من المسؤولية الملقاة على عاتقه، يعمل شي دائماً بجد. وقد زاد جدول أعماله بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. اجتماع بعد اجتماع، حيث يعطي أوامر بخصوص مجموعة واسعة من المجالات بشأن تنمية البلاد، وقال، في معرض تقييمه للوضع الحالي، “نحن نبحر في منتصف النهر حيث تكون الأمواج شديدة للغاية. ليس لدينا خيار سوى المضي قُدُماً”.
وتحتاج الصين إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي رغم الضغط الهبوطي مع مواصلة تحولها إلى التنمية عالية الجودة. في الوقت نفسه، هناك الكثير مما يجب عمله لتعزيز رفاه الشعب. إن رؤية القيادة وقدرتها على التحمل أمران مهمان، وشي ينعم بكلا الأمرين بشكل كبير.
إن الإصلاح والانفتاح هو المفتاح. وتشمل آخر التدابير تخفيف القيود المفروضة على الوصول إلى الأسواق، وخلق بيئة أعمال أكثر تمكيناً، وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، وتوسيع الواردات بشكل نشط.
يعد الإصلاح والانفتاح السمة الأكثر تميّزاً للصين والمحرّك للمعجزة الاقتصادية في الصين.
في “الدورتين السنويتين”، تمّ تحديد المزيد من الإصلاحات لدفع البلاد نحو التنمية عالية الجودة. ومن المقرّر إجراء مزيد من التخفيضات الضريبية بقيمة تريليوني يوان للشركات في عام 2019، مع سياسات لتعزيز حيوية كيانات السوق البالغ عددها 100 مليون، وتحقيق تقدّم في التكنولوجيات الأساسية للمجالات الرئيسية، إلى جانب أدوات أخرى للسياسات.
وتعمل الصين على تحفيز استهلاك أكبر مجموعة من متوسطي الدخل على مستوى العالم، وتعزيز قطاع الخدمات، بما في ذلك رعاية المسنين والرضّع.
كانت القضية الرئيسية التي نوقشت في “الدورتين” هي كيفية تعزيز القطاع الخاص، الذي يوفّر 80 بالمئة من فرص العمل في المناطق الحضرية. وفي تشرين الثاني الماضي، ألقى شي خطاباً في ندوة حول الشركات الخاصة وطمأن رواد الأعمال على الدعم الثابت، ما أدى إلى استقرار التوقعات وتعزيز ثقة الأعمال.
وينبغي ضمان الإصلاحات من خلال سيادة القانون، وهو أمر شدّدت عليه القيادة مراراً. وتهدف الصين إلى تطبيق حكم القانون بشكل أساسي للبلاد والحكومة والمجتمع بحلول عام 2035.
وقد تمّ تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية. في العام الماضي، أنهت المحاكم الصينية 41.8 بالمئة أكثر من مثل هذه القضايا التي شهدها عام 2017. ومن بين أولئك الذين تم دعمهم، أصحاب حقوق الطبع لمسلسل الرسوم المتحركة البريطاني (بيبا بيج).. وتمّ الترحيب بمشروع قانون للاستثمار الأجنبي، الذي يمر بقراءته الثالثة في الهيئة التشريعية الوطنية، باعتباره تشريعاً تاريخياً للانفتاح الصيني. وبمجرد اعتماده، سيساعد في تهيئة بيئة سوق مستقرة وشفافة ويمكن التنبؤ بها للمنافسة العادلة، ما يجعل الصين أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
وقد صعدت البلاد بالفعل 32 موقعاً في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال، في تقريره الأخير. وأظهر استطلاع حديث أجرته غرفة التجارة البريطانية في الصين أن الشركات البريطانية كانت “متفائلة إلى حد كبير” بشأن آفاق قطاع الأعمال على مدار العامين المقبلين، وخطط ثلثا هذه الشركات لتوسيع الاستثمار في الصين.
وقال ستيفن بيري، رئيس مؤسسة (نادي مجموعة 48) البريطانية: “إن الصين تتعامل مع الاقتصاد بشكل جيد للغاية رغم العقبات”، فيما قال لين يى فو، المستشار السياسي وكبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي، إنه “سيصوّت بالثقة” من أجل تنمية الصين، وأوضح أنه “إذا تم التعامل مع التحديات بشكل صحيح، يمكن تحويل التحديات إلى فرص جيدة لنهضة الأمة الصينية”.
عالم أفضل
استهلت الصين في العام القمري الجديد 2019، بفيلم الخيال العلمي “الأرض الجوالة” محلي الصنع الذي حقق نجاحاً مذهلاً، واحتل المرتبة الثانية كأفضل فيلم في الصين من حيث الأرباح بعد أسابيع قليلة من عرضه الأول. ويصوّر الفيلم مجموعة من الصينيين الذين ينضمون إلى تعاون عالمي لمنع الأرض من الاصطدام بكوكب المشتري، وقال المنتج التنفيذي للفيلم، ليو تسي شين، الحائز على جائزة هوغو: “إن الفيلم لا يدور حول النزاعات بين الأفراد أو المجموعات أو الأعراق المختلفة. إنه يعرض البشر ككل أو مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية”.
وطرح الرئيس شي مفهوم مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، والذي لاقى اعترافاً عالميا واسع النطاق.
ويتم إدخال الحكمة الصينية على الحوكمة العالمية، والتي تؤكّد أن المجتمع الدولي بأسره عليه أن يقرّر القواعد، حيث تقول الحكمة: إنه ينبغي ألا نعمل بطريقة تكون الكلمة الأكبر فيها لصاحب العضلات الأكبر.
وفي عام 2018، قام شي بأربع جولات خارجية، زار خلالها 13 دولة. واستغل شي المناسبات للدعوة إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم، وبناء الشراكات ودفع اقتصاد عالمي مفتوح.
وفي تشرين الثاني الماضي، افتتح شي معرض الصين الدولي الأول للواردات، وهو حدث غير مسبوق شاركت فيه 172 دولة ومنطقة ومنظمة دولية وأكثر من 3600 شركة. وتمّ إبرام صفقات بقيمة مزمعة 57.8 مليار دولار أمريكي.
وتتمتع مبادرة الحزام والطريق، بعد ست سنوات من إطلاقها، بجاذبية متزايدة، إذ وقّع أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية اتفاقيات تعاون مع الصين. وبلغت تجارة السلع بين الصين وشركاء المبادرة 1.3 تريليون دولار العام الماضي.
وقد اضطلعت الصين بأدوار إيجابية في إصلاحات منظمة التجارة العالمية وأجندة 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة وتنفيذ اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
من خلال التجارة والعمل الجاد والتعلم من الآخرين، ساعدت الصين في تغيير الاقتصاد العالمي، كما قالت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، مضيفة: إن الصين لعبت دوراً مهماً في تعزيز الإنتاجية والابتكار ومستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم.
ويقود شي الصين في أفضل وقت لها للتنمية في العصر الحديث. وتقف الأمة عند منعطف حاسم على طريق النهضة الوطنية: وهو الحلم الصيني. وقال مراقبون: إن الصين اتخذت مساراً سريعاً حيث استغرق الأمر عقوداً فقط لتحقيق إعصار تنموي استغرقت الدول الغربية قروناً لاستكماله، ولفت مارتن جاك، وهو أستاذ بجامعة كامبريدج إلى أن الصين تقدّم للعالم “إمكانية جديدة”.
ويصادف العام الجاري، الذكرى الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وتهدف الصين إلى تحقيق التحديث الاشتراكي بحلول عام 2035 ودولة اشتراكية حديثة عظيمة بحلول منتصف هذا القرن، وأكد شي على أن الصين لا تزال في فترة مهمة ذات الفرص الاستراتيجية للتنمية، وأضاف: “إننا جميعاً نعمل بأقصى سرعة لملاحقة أحلامنا”.