وفي العام التاسع.. مازال الصراع مستمراً
لا شيء مؤكّداً في بداية العام التاسع من الحرب، في سورية وعليها، أكثر من حقيقة أن الصراع مستمر، سواء بشكله العسكري – وإن خفّت حدّته وضاقت رقعته – أو بشكله السياسي والاقتصادي والإعلامي، وبالطبع في مستوياته الثلاثة: المحلية والإقليمية والدولية، وإن كان المستويان الأول والثاني قد بدءا بالانحسار لصالح المستوى الثالث، وهو، بطبيعته وتعقيداته المعروفة، حافل بالرهانات المتضاربة والاصطفافات الفاقعة والصفقات المتوقّعة وغير المتوقّعة، فهو مستوى لا يبالي إلا بالمصالح، ولا يرضى، عادة، بأقل من إعادة رسم الخرائط، إن لم تكن الجغرافية، فالسياسية بهدف أبعد، وهو تحقيق انزياحات في المواقف والتكتلات المتجابهة رأسياً لتحقيق مكاسب أكبر من “كعكعة” العالم الكبير.
ويتفق الجميع على أن سورية كانت منذ استقلالها، ومازالت، بموقعها، الجغرافي والسياسي، ودورها، الوطني والإقليمي والدولي، وتحالفاتها، الموجّهة، وبكلمة أخرى لمزايا جيوسياسية عدّة، حجر الرحى الذي دارت عليه، و”طُحنت”، معظم المشاريع الغربية المعدّة للمنطقة منذ أواسط القرن الماضي وحتى الآن، وإذا أردنا ألا نغوص بعيداً في التاريخ، فيمكن لنا أن نستذكر أنها كانت، من ضمن فواعل آخرين، وعلى خلفية دعمها للمقاومة العراقية، بكل الوسائل الممكنة، سبباً من أسباب فشل الهدف الامبراطوري من الحرب الأمريكية على العراق مطلع القرن الحالي. ولأنها لم توقّع، كغيرها، على صكوك التنازلات المفتوحة، رغم الإغراءات والتهديدات، كانت، ومازالت حجر عثرة، معنوياً وواقعياً، في طريق تصفية القضية الفلسطينية، بصورة نهائية، ويكفي هذان المثالان كي نفهم بعض أسباب التكالب الدولي، والعربي للأسف الشديد، عليها.
بناء على ما سبق، ولأن “التاريخ لا تحرّكه الصدفة”، فقد كان من “الطبيعي” أن يتزامن بدء العام التاسع مع إصرار حلف العدوان على المضي في الحرب، على جبهاتها الأربع: العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، وكان من الطبيعي بالمقابل أن تحتضن دمشق “قمة عسكرية” للقوى الفاعلة والحيّة لإعلان “الإصرار” على المضي في المواجهة حتى النهاية دفاعاً عن المنطقة وصوناً لقرارها المستقل، علماً أن التطورات الميدانية في الفترة الماضية جعلت من “الطبيعي”، أيضاً، أن يتقدّم الشق السياسي والاقتصادي إلى الواجهة في أجندات الحلف المعادي، فبعد “مؤتمر بروكسل” الذي “سيّس” علناً، وبصورة فاضحة، قضية المهجّرين السوريين، وقدّم أموالاً طائلة للدول التي يتواجدون بها كي تمنع عودتهم إلى بلادهم، وتبقيهم حيث هم، ورقة تُستخدم في “اللحظة” السياسية القادمة، جاء بيان الخارجية الأمريكية الأخير، والصادر باسم واشنطن وباريس ولندن..!!، ليستخدم، وبصورة علنية أيضاً، قضية المهجّرين، إلى جانب ملف إعادة الإعمار، كورقتين مؤثرتين لتصعيد الضغط السياسي في مرحلة “اللجنة الدستورية”، باعتبارها النقطة التي ستتحدّد فيها ملامح الطرف المنتصر في المرحلة القادمة، وليكشف البيان، الاستعماري المضمون (رغم خجل البعض “المتلبرل” من اللغة الخشبية)، الغطاء عن حرب سياسية طاحنة تدور رحاها اليوم على “مدخلات” اللجنة الدستورية، للسيطرة على “مخرجاتها”، بما يضمن لهم إمكانية صياغة شروط الحل النهائي، وبالتالي تحديد شكل النظام السياسي القادم لمنحهم الفرصة للتسلل لاحقاً، بقوة بنود دستورية، إلى بنية المؤسسات السيادية السياسية والاقتصادية والخدمية، ربما على الطريقة اللبنانية المجرّبة، بثغراتها الطائفية والمذهبية والسياسية المقيتة، والتي كانت، كي لا ننسى، “قرة عين” المبعوث الأممي السابق إلى سورية.
بهذا الإطار، ولأن الصراع مستمر، لا مفرّ من أن تكون المواجهة، على نسق العدوان، متعدّدة المستويات ومستمرة أيضاً، وإذا كان للميدان العسكري رجاله الذين اجتمع أغلبهم في دمشق بالأمس ليعلنوا التحدّي، وفي السياسة مبادئها التي لا ولن نحيد عنها، فإن الشق الاقتصادي، الذي تمثّله العقوبات الجائرة والحصار الكبير الذي يواجهه بلدنا هذه الأيام تصبح مهمة محاسبة “القتلة الاقتصاديين” الداخليين فرض عين على الجميع، ويصبح من الضروري استعادة خطط وإجراءات الطوارئ – رغم الوقع السيئ لهذه الكلمة – الاقتصادية، خاصة وأن السياسة، في المآل النهائي، “هي اقتصاد مكثّف”، كما يقول الراسخون في العلم، وكما أثبتت دروس التاريخ البعيد والقريب.
أحمد حسن