الانقسام السياسي في الولايات المتحدة
ترجمة: عناية ناصر
عن غلوبال تايمز 13/3/2019
كانت فكرة “الضوابط والتوازنات” تشكّل حجر الزاوية في النظام السياسي الأمريكي، وفي نظر النخب السياسية الأمريكية ، فإن الضوابط والتوازنات هي التي يكمن فيها تفوق ومزايا سياساتهم الديمقراطية، ومع ذلك فإن العديد من المشاكل ظهرت مؤخراً في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، وبدلاً من السعي إلى تحقيق مصالح أكبر للشعب، وتعزيز التوافق العام في الآراء، تم التقليل بشكل كبير من فعالية العمليات السياسية الأمريكية في ظل هذه “الضوابط والتوازنات”.
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة الطوارىء، كانت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وآخرون يسعون للحصول على موافقة مجلس الشيوخ أيضاً، بعد أن وافق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الأغلبية الديمقراطية على قرار يلغي حالة الطوارىء، لكن ترامب قال إنه لن يتردد في استخدام الفيتو ضد القرار،
ومن إعلان “حالة الطوارىء” إلى “استخدام حق الفيتو” المتكرر، يعتقد العديد من المشرعين الأمريكيين أن الحكومة تحرم الكونغرس من سلطاته الدستورية، وقد قال الديمقراطيون بأن إدارة ترامب قد قوّضت مبدأ “الضوابط والتوازنات”، داعين المشرعين إلى دعم الدستور.
إذاً، ما هي المشاكل التي تواجه النظام السياسي الأمريكي المعروف بـ “الضوابط والتوازنات”؟ هل تنبع هذه المشاكل من الهدف الأصلي وراء تأسيس النظام السياسي الأمريكي؟.. قد يعتقد الكثيرون أن “الضوابط والتوازنات” هي مثلث متساوي الأضلاع يتألف من ثلاثة كيانات هي: السلطة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ويقوم كل فرع بواجباته على التوالي، ويعمل بشكل مستقل دون تدخل من الآخر، وهذا ما يضمن العدالة والديمقراطية، والحقيقة هي أن “الضوابط والتوازنات” تشبه إلى حد بعيد ثلاث دوائر متداخلة، حيث تضغط على بعضها لتوسيع قوتها.
بعد قرن من تأسيس الحكومة الفيدرالية، أخذ الصراع السياسي يحدث بشكل رئيسي داخل الكونغرس، حيث كانت معظم الصراعات بين الولايات والسلطة الفيدرالية، ولطالما أشار الخبراء الأمريكيون والأوروبيون إلى أن النظام السياسي الأمريكي غير مصمم للديمقراطية، يُقصد بالديمقراطية أن تكون نظاماً تحدده إرادة الأغلبية، لكن غرض واضعي الدستور الأمريكي لبناء مثل هذا النظام السياسي كان لتجنب “طغيان الأغلبية”.
لهذه الغاية، صمم “مؤسسو الدولة” الأمريكيون نظاماً من الضوابط والتوازنات، ثم ظهر نظام الحزبين الذي تطور اليوم إلى “نظام حق النقض”، حيث تسيطر النخب السياسية على السياسة الوطنية وليس الشعب، وأدى الاستقطاب السياسي غير المسبوق في الولايات المتحدة إلى تراجع ملحوظ في جودة العملية السياسية،
قبل كل شيء، تم تقويض القاعدة الاقتصادية للبلاد، وحصد اللاعبون الماليون مكافآت ضخمة من هذه العملية، تاركين العديد من العائلات من الطبقة المتوسطة في صناعات أخرى محطمة بالكامل، كما شهدت البنية الاجتماعية الداخلية في الولايات المتحدة تغييرات هائلة زادت من الصراعات بين الجماعات اليمينية البيضاء، والأقليات العرقية في الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى النزاعات المذكورة فإن التناقضات بين النخب الأمريكية والشعبويين، وبين الاقتصاديين العالميين والمجموعات الوطنية، وبين الاقتصاد الافتراضي والاقتصاد الحقيقي، وبين الجناح اليساري والجناح اليميني، استمرت بالارتفاع.
في الوقت الحاضر، وفي ظل “الضوابط والتوازنات”، فشل نظام الحزبين في تعزيز الإجماع السائد، وعلى النقيض من ذلك فإن التنافس بين الأحزاب السياسية دفع بالتشرذم الاجتماعي إلى حده الأقصى.