“بريكست” نحو تأجيل جديد
يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تعطّل جزئياً، ومن الواضح أنه تأجّل البت به وتم ترحيله إلى 30 حزيران المقبل، هذا إن لم يكن أبعد، والسبب أن مجلس العموم البريطاني صوَّت الخميس الماضي على طلب تأجيل إقرار اتفاقية “بريكست”، فيما سعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي لإجراء تصويت جديد على الاتفاق يوم الثلاثاء الماضي.
مع ذلك، فقد اشترط قادة الاتحاد كي يمددوا فترة الخروج من عضوية الاتحاد أن يسبقه دعوة ماي إلى إجراء استفتاء ثانٍ قبل نهاية آذار الجاري، وبما يناسب قوانين خروج الدول الأعضاء من الاتحاد، ولفت رئيس لجنة الاتحاد دونالد تاسك إلى أنه سيطلب من أعضاء الاتحاد السبعة والعشرين قبول تمديد فترة خروج بريطانيا من الاتحاد إذا قبلت الحكومة البريطانية أن تعيد النظر باستراتيجيتها المعلنة تجاه الاتحاد.
وبالعودة إلى مجلس العموم، فقد رفض بغالبية كبيرة تعديلاً طرحته مجموعة برلمانية مستقلة تضم نواباً انشقوا عن حزب العمال ونوابا من الحزب المحافظ تطلب تمديد مهلة العامين التي نصت عليها المادة 50 من اتفاقية لشبونة والخاصة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، إلى ما بعد 29 آذار الجاري، بهدف طرح المسألة على الاستفتاء مرة ثانية، ورفض 334 نائباً هذا التعديل، وأيده 85 وذلك بعد نحو ثلاثة أعوام من استفتاء حزيران 2016 الذي أدى إلى “بريكست”.
وفيما البرلمان والبلد منقسمان بشدّة حول ترتيبات الخروج من الاتحاد، استنكر نواب المجموعة المستقلة موقف حزب العمال بعد رفض التعديل، وكتب “شوكا أوما” النائب المنشق عن حزب العمال تغريدة على تويتر تقول: “إدارة حزب العمال المشككة بالاتحاد الأوروبي خانت مناصرين وناخبين عماليين بامتناعها عن التصويت”، فيما قالت النائبة “آنا سوبري” المتحدثة باسم المجموعة المستقلة في بيان: “إن المجموعة لن تستسلم أبداً، وستواصل ممارسة الضغوط لصالح تصويت على اتفاق نهائي لبريكست، موضحة أن المجموعة ستكون جبهة معارضة حقيقية، وإن الشعب البريطاني يستحق أن يقول الكلمة الأخيرة بشأن بريكست.
فيما انتقد “نايجل فاراج” الزعيم السابق لحزب استقلال المملكة المتحدة سلوك مجلس العموم، وبدأ مسيرة تستمر أسبوعين إلى لندن لوقف ما وصفه بأنه “خيانة” لـ “بريكست”، وقال أمام عشرات من أنصاره ممن احتشدوا في بدء المسيرة في مدينة سندرلاند شمال شرق إنجلترا: “لو رأيتم ما حدث في البرلمان هذا الأسبوع فستجدون أننا قد لا نغادر الاتحاد الأوروبي”.
بدورها، ماي التي فشلت حتى الآن بكسب تأييد البرلمان لمشروعها، أدخلت البلاد في أعقد أزمة سياسية واقتصادية، والظاهر أنها أزمة أعقد مما تبدو عليه، وبحسب مراقبين، فالغموض المحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد أصاب اقتصادها بأضرار كبيرة، ما بين هروب أموال ونفور استثمارات وانتقال شركات وإقفال مصانع وانخفاض نمو وتدهور عملة وضياع مئات آلاف فرص العمل، واتضح أن شروط الخروج، كما كانت متوقعة، غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة إلى لندن، لأن ثمن الخروج سيكون وحدة أراضي المملكة المتحدة، بمعنى أنه لا يمكن لبريطانيا العظمى أن تغادر الاتحاد الأوروبي إلا على حساب تفككها.
ولا يستبعد المراقبون استقالة ماي والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة، بالنظر إلى حجم المأزق القائم، حيث كشفت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية أن الاتحاد الأوروبي يهيئ نفسه لمرحلة ما بعد سقوط ماي.
ويرى مراقبون أن النخبة السياسية البريطانية غير متحمسة إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وتريد كسر موجة الاستياء المتزايدة من التكامل الأوروبي، وقد شكل ذلك ضربة للطبقة الحاكمة البريطانية بأكملها، بصرف النظر عن انتمائها الحزبي، وهذا هو السبب في أن النخبة البريطانية ستبذل كل جهد ممكن لضمان عدم تنفيذ بريكست، ومن خلال المماطلة بإجراء استفتاء جديد يقنعون فيه الناخبين بالتصويت للبقاء في الاتحاد الأوروبي، أو الانسحاب رسمياً منه من دون اتفاق بما يشبه “الخيار النرويجي” ومن دون فتح معركة مع الاتحاد.
صلاح الدين إبراهيم