رغم الصعوبات المعيشية والمهنية المعلمون يحملون مشاعل العلم ورسالة التعليم المقدسة..
يحتفل باليوم العالمي للمعلم في الخامس من شهر تشرين الأول سنوياً منذ عام ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين للتأكيد على الدور المميز للمعلمين، حيث يعتبر هذا التاريخ بمثابة إحياء ذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في عام ألف وتسعمئة وستة وستين، المتعلقة بأوضاع المعلمين في العالم، وفي معظم الدول العربية يعتبر الخميس الثالث من شهر آذار من كل عام عطلة رسمية للمعلم العربي، وذلك للإشادة بالدور الكبير والمميز الذي يقدمه المعلم العربي للمجتمع، وتأكيداً على الدور الملقى على المعلمين لبناء الأجيال، والمساهمة الفعلية في صناعة المستقبل.
دعامة أساسية
في الدول المتقدمة يعتبر التعليم والقضاء من أهم الركائز الأساسية لبناء مجتمع متقدم، ومن هنا يتضح الدور الخاص للمعلمين في المجتمعات المتقدمة، وعندما سئل الامبراطور الياباني عن أسباب تقدم بلده في فترة وجيزة، خاصة بعد خروجها مدمرة من الحرب العالمية الثانية، كان جوابه بأنهم بدؤوا من حيث انتهى غيرهم، وتعلّموا من أخطائهم، فقد تم منح المعلم في اليابان حصانة الدبلوماسي، وراتب الوزير، ففي بلد كاليابان خرج منهكاً من حرب أتت على كل ما فيه، أيقن اليابانيون أن السبيل الوحيد للنهوض ولإعادة الحياة لهم لن يكون إلا بالتعليم، لذلك كان المعلم حجر الزاوية في هذا النهوض، وربما هذا هو سر تقدم اليابان وتطوره، ونحن اليوم في سورية أحوج ما نكون للاستفادة من هذه التجربة، خاصة بعد تعرّضنا لحرب إرهابية كان فيها لقطاع التعليم النصيب الأكبر من الدمار.
مكانة مقدسة
لطالما كانت للمعلم مكانة مقدسة منذ العصور القديمة، وفي الفلسفة اليونانية كان أرسطو يلقب بالمعلم الأول، وهو أحد أبرز المؤسسين للفلسفة الغربية، إذاً الدور الفعلي للمعلم ليس بتلقين المعلومات، أو محو أمية الأطفال بتعليمهم أساسيات الكتابة والقراءة، بل ببناء شخصية الطفل، والتأثير الإيجابي المباشر في حياته، فمن الطبيعي أن تكون للمعلم مكانة اجتماعية مميزة يتولى الأهل غرسها في نفوس أبنائهم منذ السنوات الأولى للدراسة، ما يعطي المعلم سلطة كبيرة في تعامله مع الطلاب، وربما هذا ما أصبحنا نفتقده اليوم في مجتمعاتنا، حيث اهتزت صورة المعلم لدى الكثير من أطفالنا، وأصيبت المنظومة التربوية بخلل ساهمت بعض القوانين الجديدة فيه من خلال التقليل من هذه المكانة، وإضعاف سلطة المعلم.
عيد المعلم في سورية
اليوم مع تبدل الكثير من المفاهيم بات الاحتفال بعيد المعلم يشكّل عبئاً على كاهل الأهل الذين فرضوا على أنفسهم واستجابة لمطالب أبنائهم المبالغة في تقديم الهدايا للمعلمين رغم توجيه رسالة من المدارس إلى أولياء الأمور بعدم إرسال هدايا في عيد المعلم، وهنا نستشهد بتجربة (أم كمال)، وهي أم لثلاثة أطفال جميعهم في مرحلة التعليم الأساسي، تتحدث عن معاناتها التي باتت تحرجها أمام أطفالها كل عام في هذا اليوم قائلة: ليس بالضرورة أن أستدين ثمن هدايا لأولادي ليقدموها لمعلميهم في عيد المعلم، خاصة أن وضعي المادي لا يسمح لي بشراء الهدايا لوجود أكثر من معلم لكل مادة، مضيفة: وصلنا إلى وقت نعجز فيه عن شراء هدية رمزية، مع العلم أن هذا الأمر لا يقلل من قيمة المعلم، لأنه منارة للأجيال، ولكن لم أستطع إقناع أولادي بذلك، خاصة أن الكثير من زملائهم قد اشتروا الهدايا، وقد تم قبولها من المعلمة.
“بريستيج” لا غنى عنه
ثائرة علي، موظفة في معمل يقع على أطراف العاصمة، تتحدث عن موقف حصل مع ولدها أثناء دوامه المدرسي عندما رجع إلى المنزل والدموع في عينيه بسبب قيام أصدقائه بإقامة حفلة لمعلمتهم من دون إخباره لعلمهم بوضعه المادي الذي لا يسمح له بالاشتراك معهم، وتضيف السيدة ثائرة: كان يجدر بالمعلمة أن تقوم بمنع تلاميذها منعاً باتاً من إقامة هذه الحفلة على الرغم من علمها بهذه الحفلة قبل أيام، خاصة أنها على علم بالوضع المادي السيىء لمعظم التلاميذ في صفها، حيث قامت بالتقاط الصور والفيديوهات لعرضها على صفحتها الشخصية على الفيسبوك، والتي أصبحت بمثابة بريستيج يتبعه عدد من المعلمين والمعلمات.
دور تربوي وأبوي
لا يمكن بناء مجتمع متقدم ومتمدن ومعلموه يعانون من وضع اجتماعي واقتصادي مترد، ومن الضروري إعادة النظر اليوم ببعض القوانين التي ربما أساءت إلى وضع ومكانة المعلم في مدارسنا، واحدة من أهم مهام المعلم هي خلق بيئة دراسية مناسبة للطلاب، ما سيجعل الطلاب أكثر إنتاجاً وسعادة، خاصة أن المعلم هو من يجعل البيئة التعليمية إيجابية أو سلبية، لأن التعليم جواز السفر للمستقبل، والسلاح الأقوى الذي يمكن استخدامه لتغيير العالم، كما اعتبره نيلسون مانديلا، فمن يفتح مدرسة يغلق سجناً.
قائد اجتماعي وتربوي
اليوم إصلاح التعليم ليس ترفاً فكرياً، خاصة ونحن نتعرّض لحرب إرهابية تستهدف عقول أجيالنا، وطريقة تفكيرهم، ولن نستطيع تحقيق هذا الإصلاح إلا بالتركيز على روح العملية التعليمية وهي المعلم، ودور المعلم ومكانته كقائد اجتماعي وتربوي هو من يجب إعادة التركيز عليه وتفعيله ليرجع للمعلم السوري دوره القيادي الذي لم يقتصر وجوده في سورية فقط، وإنما تعدى ذلك ليصل إلى دول عربية ساهم المعلمون السوريون ببنائها كالجزائر، وليبيا، ودول الخليج التي لا يستطيع أحد نكران دورهم الفعال في بنائها وتقدمها.
لينا عدره