في حضرة الحديث عن إعادة الإعمارجبهات عمل مفتوحة وجاذبة للشركات الإقليمية… وقطاع المقاولات والإنشاءات غارق في إشكاليات فنية وقانونية
بات من الضروري مع البدء بمرحلة ما بعد الأزمة حشد جهود استثنائية لإعادة ترميم وإعمار ما دمرته الحرب خلال الثماني سنوات الماضية، لجهة البنى التحتية والخدمات والمرافق العامة والتي تراوحت نسبة تدميرها ما بين 30 إلى 70% حسب بعض الدراسات الدولية في ظل غياب إحصائيات محلية، لتبرز أهمية وضع استراتيجية لتجهيز وتأهيل كافة الشركات الإنشائية المحلية بشقيها العام والخاص للقيام بدورها من جهة، ورفع قدرتها التنافسية أمام الشركات المتسابقة والطامحة للدخول إلى السوق السورية من قبل الدول الصديقة من جهة أخرى، لعل حتميات المرحلة تقودنا إلى تسليط الضوء على الإشكاليات التي يعاني منها قطاع المقاولين، وضرورة تدبيج حلول جذرية وسريعة تدفع بهذا القطاع إلى تجاوزها للبدء بالعمل الميداني والمباشرة بجبهات العمل المنتظرة.
عين على الواقع
تبدو أن إشكاليات نقابة المقاولين تتخذ مسارين متوازيين؛ أحدهما يتعلق بعلاقته مع الجهات العامة وما نتج عنها من إشكاليات أبرزها العقود المتعثرة والمطالبة بتعديل نظام التصنيف وعلاقتها المتذبذبة مع نقابة المهندسين، وآخر ناتج عن التضخم الحاصل خلال الأزمة وماله من تداعيات لجهة فروق الأسعار والقدرة على إتمام المشاريع المعلقة، ما حدا بنقيب المقاولين في سورية محمد رمضان بالدعوة إلى ضرورة إيجاد صيغة مناسبة لتوزيع المشاريع بين القطاعين العام والخاص عبر نقابة المقاولين، وذلك بإعطاء حصة القطاع العام مباشرة وإعلان باقي المشاريع للمنافسة الشريفة بين المقاولين لتحقيق عدالة نسبية بين القطاعين وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، كما تحدث رمضان عن الإشكالية مع نقابة المهندسين المتمثلة براتب المهندس المقيم، الناجمة عن عدم التزام المهندس مع قرارات نقابته المركزية، إذ أصبحت المطالبات عشوائية تصل إلى ما نسبته 2.5% من قيمة العقد، والتي تشكل 50% من ربح العقد، أي يمكن أن يحصل مهندس مقيم على أجر يقارب 40 مليوناً من عقد يبلغ 1.4 مليار بمدة تنفيذ لا تتعدى الشهرين كحد أقصى، مبيناً أن أجر المهندس يجب ألا يتجاوز 150 ألف ليرة، كما تطرق إلى عدم توفر مادة المازوت والتي شكلت عبئاً على المقاولين لإتمام مشاريعهم، وعدم تخصيص الآليات المرخصة التابعة للمشروع ببطاقة ذكية، مقترحاً إصدارها للمشروع بشكل عام، على أن يتم استجرار المادة على دفعات وفق احتياج مشروعه، وطالب بضرورة مشاركة مندوبين من نقابتي المهندسين والمقاولين في اللجنة الخاصة بتعديل قانون العقود رقم 51 لعام 2004.
استغلال القانون
في حين صرح نقيب المقاولين في ريف دمشق عكرمة عساف أن المقاولين أصبحوا دون عمل نتيجة قرار التلزيم بعقود بالتراضي، مبيناً أن هذه العقود تشكل مخالفة للقانون وتؤدي إلى زيادة الكلفة والهدر، رغم أن القانون أتاح عقود التراضي، إلا أنه بالواقع تم استغلال القرار بشكل خاطئ، إذ أصبحت العقود التي تفوق الـ500 مليون تحال إلى وزارة الأشغال لتنفيذها بمناقصة بين شركات القطاع العام، ولكن ما حصل هو منحها من الوزير إلى شركة معينة مباشرة، كما أن عقود المشاريع التي تقل عن 500 مليون أيضاً لم تطرح بالمناقصة وضمن الميزة التفضيلية لمقاولي القطاع العام بنسبة 8% سوى مرة واحدة، وسارت بنفس المسار لتصبح بالتراضي بين الوزير والشركة مباشرة، ومن ثم تعطى من “تحت الطاولة” حسب تعبيره إلى مقاولين بالقطاع الخاص.
الأولوية لنا
وعلى اعتبار أن الأولوية للسوريين بحسب وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس سهيل عبد اللطيف الذي واكب اجتماعات فروع النقابة التي تقام حالياً للاطلاع على هذه الإشكاليات ومعالجتها والتوصل مع المقاولين إلى حلول من شأنها النهوض بواقع قطاعهم، أكد سعي الوزارة إلى تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة، والعمل على تهيئة القطاع من ناحية التشريعات والقوانين اللازمة لمتطلبات المرحلة المقبلة، منها حل إشكالية فروق الأسعار، كاشفاً عن إعداد قرار سيصدر قريباً بعدم قبول أي مقاول ما لم يكن مصنفاً، ولكنه بالمقابل حث المقاولين على ضرورة تشكيل شركات متكاملة فنياً وهندسياً لمنافسة الشركات القادمة، إذ قال “إن بقينا اتكاليين ستكون الحصة الأكبر للشركات الإقليمية”، كما بين أنه تم تشكيل لجنة مشتركة لبحث الإشكاليات مع نقابة المهندسين، مؤكداً على عدم صدور أي قرار إلا بموافقة الطرفين، مع الإشارة إلى أن اللجنة اجتمعت أول أمس أول اجتماعاتها، لوضع أسس ومعايير لمهندس التصنيف والمقيم لجهة أتعابه وأجوره ومهامه ومسؤولياته.
تريث مبرر
بات نظام التصنيف الذي تعتمده الوزارة حالياً بحاجة إلى تعديل بحسب مطالبات المقاولين، ويتم التصنيف وفق الاختصاص إلى ستة أقسام، منها ميكانيك وكهربا وبناء وغيرها، ووفق القدرة المالية والتي تقسم بدورها إلى ستة مستويات تبدأ بالممتازة وتنتهي بالفئة السادسة، وعلى أساسه يتم التقدم إلى المناقصات التي تطرحها الجهات العامة، ولكن التضخم الحاصل دعا إلى تعديل القيم بين الفئات المالية في عام 2016، إلا أن استمرار التضخم ضغط باتجاه تعديل هذا النظام مرة أخرى، وفي هذا السياق يبين معاون الوزير عبد القادر فهيم أن التعديل مطروح منذ العام الماضي بعد اجتماع الوزارة مع المقاولين لاستمزاج آرائهم وتوضيح رؤيتهم في التعديلات المطلوبة، ولكن الوزارة اعتمدت التريث مع استمرار الدراسة في إصدار التعديل رغم إنجاز مسودته العام الماضي، وذلك بغية إصدار نظام شامل يواكب المرحلة القادمة ويضمن الاستمرارية لمدة لا تقل عن خمس سنوات قادمة، لافتاً إلى أن التعديل سيشمل تعليمات تأسيس الشركات ومحدداتها وما هو المطلوب منها، كي تكون قادرة على منافسة شركات الدول الصديقة، كما أنه سينظم العلاقة بين نقابتي المقاولين والمهندسين، وبين فهيم أن إقرار نظام التصنيف سيصدر خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر.
استسهال وتراخٍ
بالعودة إلى نص القانون نجد أن إشكالية فروق الأسعار لها حلول سريعة؛ إذ أتاح لآمر الصرف في كل جهة تشكيل لجنة لدراسة فروق الأسعار، ولكن تراخي بعض الجهات العامة بحسب فهيم لجهة تشكيل هذه اللجنة أدى إلى تراكم هذه الإشكالية، وبسبب استسهال هذه الجهات للموضوع حولته إلى اللجنة المشكلة في وزارة الإسكان والمعنية بدراسة أثر فروقات الأسعار على كافة المشاريع مما أربك عملها، كما أشار أيضاً إلى إشكالية العقود المتعثرة التي أخذت الطابع ذاته، مشيراً إلى تراخي الجهات عن ممارسة دورها المنصوص عليه ضمن القانون والذي منحها صلاحية فسخ العقود التي توقفت لمدة تزيد عن عام، وأدى تخليها عن دورها اضطرار المقاول اللجوء إلى القضاء الإداري؛ مما أدى إلى تراكم هذه القضايا لديه، مع الإشارة هنا إلى أن القانون أجاز تشكيل لجان سواء من الجهة العامة أو لجنة برئاسة قاضٍ من مجلس الدولة وممثل فيها من المقاول ووزارة المالية للظروف القاهرة فقط، وعرج إلى قضية عقود التراضي التي حلت بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء في نهاية شباط الماضي والذي أعاد الأمور إلى نصابها، والعمل بالمناقصات وطلب العروض، وشدد على أن العقود بالتراضي لن تتم إلا ضمن الحالات الموجبة لها فقط وموافقة رئاسة مجلس الوزراء بعد عرضها عليه مع مبرراتها، كما كُلفت الجهات الرقابية لمراقبة حسن تطبيق هذا البلاغ، ونوه أن المبرر الوحيد لصدور أي عقد بالتراضي هي أن تكون العروض منجزة بفترة قبل هذا البلاغ.
فاتن شنان