صحيفة البعثمحليات

 معلمون يرون في التعليمات ضغطاً غير مبرر.. و”التربية” عطار يحاول إصلاح ما أفسده العرف؟!

طرطوس- لؤي تفاحة

يبدو أن التعليمات الوزارية الأخيرة حول قيام المدرس بإكمال نصابه المحدد له بساعات التدريس اليومية من خلال دوامه كإداري في مدرسته، بدأت تأخذ مفاعيل في غير الاتجاه التي قصدتها الوزارة، حيث عكرت التعليمات صفو الأجواء اليومية لمئات المدرسين، الذين رأوا فيها توجهاً غير مناسب وفي غير وقته، ولاسيما في ظل هذه الظروف الضاغطة على كل عائلة، في الوقت الذي رآها البعض الآخر عقوبة تجرهم لتقديم استقالات جماعية بخط يدهم، الأمر الذي استدعى طرح هذه القضية في أكثر من موقع ومناسبة، أشدها سخونة ما طرحه البعض من أعضاء مجلس محافظة طرطوس خلال دورته الأخيرة بحضور مدير تربية طرطوس، عندما أشاروا إلى أن هذه الخطوة تحمل مؤشراً خطيراً لجهة ما هو المطلوب من المدرس بعد أن يقوم بواجبه تجاه طلابه ومدرسته بكل مسؤولية وأمانة وضمير، متسائلين: هل المطلوب أن يتحول المدرس فيما تبقى من بقية دوامه في المدرسة إلى مجرد موظف بدوام إداري غير محدد له أساساً، أو المطلوب منه تمضية الوقت لمجرد التسلية، في حين بيته وعائلته هم الأكثر حاجة، وربما العمل لتأمين مصدر دخل إضافي يضمن له سبل العيش الكريم في أدنى حالاته، في ظل الظروف الضاغطة والقاسية، وبالتالي ثمة من تساءل هل هذا الوقت هو المناسب لتشديد الخناق على المدرس كموظف يتقاضى ما يسمى معاشاً.!؟
هذا الطرح أثار مساندة قوية من عدد من أعضاء المجلس كون عدد لا بأس منهم من الأسرة التعليمية، رأوا في خطوة الوزارة بمثابة إجبار على أبغض الحلال وهو ترك الوظيفة مجبرين لا مخيرين.! في حين غمز البعض الآخر من قناة حملة “التجييش والتحريض” للساعات الخصوصية من زملاء الكار أنفسهم الذين يعملون ضمن الدوام الرسمي في معاهد خاصة، ولكنها مرخصة، في حين ضاقت عيونهم لزملاء لهم يقومون بإعطاء ساعات قليلة سواء في منازلهم أو منازل بعض تلاميذهم، تكفيهم حرج الحاجة، وهم يتأبطون كتب لقاء تقديم ساعات شبه زهيدة مقارنة بدخل هؤلاء، ولكم أن تتصوروا حجم وعدد هذه المجموعات لمدرس مشهور وله اسمه في محافظة كطرطوس يتسابق أبناؤها للتحصيل العلمي العالي المستوى من شريحة الأطباء، حيث الطموح والرغبة الأولى لمعظمهم في ظل هذا الفلتان لأسعار الجامعات الخاصة، وهذه مصيبة أخرى لا تقل مأساة. ! وفي هذا الطرح من الموضوعية ما يستحق النقاش، فكيف يسمح لمدرس يعطي دروساً في معهد مرخص وهو يتقاضى راتبه وضمن الدوام الرسمي، وغير مسموح لزميل آخر ذلك، والاثنان مطالبان بذات الدوام.!
في هذه الأثناء اعتبر البعض الآخر بأن هذه المحاولة تبدو كوسيلة لضبط حالات الهروب والتسريب التي باتت حديث الأهالي قبل غيرهم، وذلك قبل انتهاء الوقت المسموح للشهادة الثانوية بكافة فروعها، مطالباً بالوقت نفسه بأن تكون عملية ضبط التقارير الطبية الممنوحة للطلاب مركزياً، حيث باتت هذه التقارير تجارة رابحة جداً لبعض الأطباء خلال هذه الفترة حيث ترتفع بورصة التقارير بدءاً من 5000 ليرة للتقرير الواحد.
وفي معرض رده على الطروحات حاول مدير تربية طرطوس علي شحود أن يبدو كالعطار الذي يعمل على إصلاح ما أفسده دهر من العرف، حيث صوّب الحديث والنقاش فيما يخص دوام بعض المدرسين كإداري في مدارسهم من خلال ضبط دوام المدرس كونه يأتي ضمن النظام الداخلي للتربية بشقيه التعليمي والتربوي، وليس مبرراً على الإطلاق هذه الفوضى وانقطاع المدرس عن مدرسته قبل انتهاء الفصل الدراسي بسبب انقطاع أو تسرب الطالب ذاته، وليس محاربة المدرس أو التضييق عليه فهو أولاً وأخيراً موظف في الدولة ويتقاضى راتبه على هذا الأساس، لافتاً إلى أن وجود المدرس في مدرسته يقطع الحجة للطالب أو أهله لتركه المدرسة مبكراً.
بكل الأحوال ونحن نحتفل بعيد المعلم، فإن المطلوب القيام بمنظومة عمل وآليات تبدأ من تحسين ظروف المدرس المعيشية اليومية الضاغطة ولا تنتهي عند عودة الهيبة وبعض من القداسة للمدرسة ومعها المعلم، التي فقدت لأسباب عديدة ومختلفة ضربت بكل معايير الاحترام لبناة الأجيال، وفتحت الباب واسعاً لتسلل ثقافات مناقضة لقيمنا وأخلاقنا، وهذه تشكل في حال حدوثها عودة الثقة بالتعليم الرسمي وهذا الاحترام والتقدير للمعلم، وعندئذٍ تكون قد شكلت ظاهرة الحد من الدروس الخصوصية أولى مخرجات هذه المنظومة وآلياتها، وتالياً تشكيل مؤسسة تربوية تشكل قاطرة لبناء جيل نحلم به جميعاً.