يبنون الإنسان الغاية والمنطلق
أية مصادفة تلك أن يرتبط شهر آذار، شهر الربيع، وتفتح الأرض، وعودة الحياة والخضرة إلى أشجارها، بيوم المعلم وعيده، وهو الرجل الذي يملأ العقول علماً ومعرفة ونوراً، ويعيد تكوين المفاهيم في ضمائر أجيال متعاقبة من كل أمة ودولة، في يوم المعلم بشهر آذار تتجدد تلك المسؤولية أمام صناع الأجيال ليقوموا بمهام عظيمة لا تقف عند تقديم العلم والمعرفة، بل تمتد إلى بناء الإنسان والحضارة بشكل كامل، وما أشد حاجتنا في سورية مع تلك الحرب الضروس التي خاضها السوريون مع جيشهم العقائدي الباسل على مدار سنوات خمس مضت، إلى تمكين المعلم في مهمته الأساسية التي تنتظره في السنوات المقبلة، سنوات إعادة بناء الإنسان أولاً، لأن البناء الأهم هو بناء العلم والمعرفة في عقول الأجيال القادمة، كما قال بعض المعلمين الذين استفسرنا منهم عن أمانيهم في هذا اليوم الرمزي الذي نتذكرهم فيه.
بعد سنوات
لا أعظم من هدية تقدم في هذا اليوم أكثر من شعور بأثر طيب نتركه في طالب، أو معرفة نودعها فيه، ونتيجة نتلمسها منه، يقول يونس ملحم، مدرّس لمادة الفلسفة في المرحلة الثانوية: إن أكثر ما يدخل السعادة إلى قلبه حين يرى تلاميذه يتذكرونه ويعودون إليه بعد سنوات مضت من منحهم العلم والدروس فيها، ويتذكرون نصائحه ووصاياه إليهم، فهي من حوّلتهم من طلاب على مقاعد الدراسة ليصبحوا إعلاميين، أو محامين، أو مهندسين، أو أطباء، أو زملاء في المهنة، ويضيف: التعليم بالنسبة لنا رسالة لزرع القيم النبيلة أولاً، وتمكينها في نفوس الطلاب ثانياً، فلا قيمة لعلم لا يرتبط بالأخلاق، والإنسان الناجح الذي يتخرج على أيدينا هو أعظم الهدايا التي تشعرنا بالفرح على الإطلاق، أما علي سليمان، مدرّس لغة عربية، فيؤكد أن أهم ما نحتاج إليه في المرحلة المقبلة هو التركيز على إعادة بناء الإنسان، وتصحيح كل المفاهيم والقيم، ويقول: لعل جزءاً كبيراً من مأساتنا كسوريين أن البعض منا أخفق في مهمته الأساسية وهي تمكين الأخلاق في ضمير الجيل، فشذ قسم كبير من أبناء الوطن، وتحولوا إلى أدوات في مشروع تقسيم وطنهم، فاليوم تصبح المسؤولية الملقاة على عاتق المعلمين كبيرة جداً في إعادة روح الأصالة، ونشر ثقافة المحبة، والإيمان بالوطن، ليعود مجد سورية من جديد، وتستكمل انتصارها على كل عدو يتربص بها.
نقف عاجزين
في يوم المعلم كلمات كثيرة من أبناء وطلاب وتلاميذ ترك هذا الرجل في نفوسهم رسائل لا تقدر بثمن، يقول بعض هؤلاء الطلاب: معلمي من فرش الطريق لنا بالعلم والمعرفة التي تدوم وتدوم، فأضاء من شمعته شموعاً، وأفرغ زيت قنديله ليمنحنا النور، في كل عام يطلّ علينا هذا العيد ونحن نقف عاجزين، بأيدينا هدايا بسيطة: ورود، أو كلمات قصائد وأشعار، لكن كل ما بحوزتنا هو أقل القليل أمام عظيم نذر نفسه لبناء الإنسان والارتقاء به إلى مدارج الحضارة والتقدم، فمنكم أيها المعلمون نقتبس روح المواطنة، وبدروسكم سنبني وطننا من جديد.
محمد محمود