كل الحياة.. أمي
ربما يكمن السر في علاقتنا بالأم، بأن كل منا يعتبر أن أمه هي أفضل الأمهات وأجمل الأمهات، وهنا أيضاَ تكمن الفرادة لأن علاقة كل منا بوالدته هي علاقة خاصة ومختلفة، حتى أنه يتهيأ للواحد منا بأنه الوحيد الذي يملك أماً على هذا القدر من الحنان والعطف والاحتواء، وكأنه المحظوظ الوحيد في هذا العالم وكأن الله خصه من دون كل البشر وميزه عن باقي الناس بهذا الملاك الجميل الذي يرعاه ويحتضنه، ويكّن له كل هذا الحب غير المشروط، فالأم هي الوحيدة التي تتمنى لطفلها أكثر مما تتمنى لنفسها، وتضحي بكل غالٍ كرمى لسعادته ولضحكة عينيه، وتبدأ حكايتها معه منذ أول نبض وأول كلمة وأول خطوة، فكيف له ألا يشعر بكل هذا الزهو والكبرياء بوجود “أم” في حياته، وكيف له ألا يختال بوجود من يحبه كل هذا الحب، وكيف له ألا يرد الجميل؟، وقد يكون هنا أصل الحكاية وكل الحكاية؟ فهل يستطيع أحد أن يرد جميل الأم! أو على الأقل جزءا منه ومن تضحياتها وعطائها!.
قد يكون الاحتفال بعيد الأم أحد المحاولات البسيطة من الأبناء لرد ذلك الجميل والتعبير عن حجم الامتنان والشكر لوجودها في حياتنا، ولذلك علينا أن نعلم ونعترف بكل بساطة أننا من يحتاج إلى هذا اليوم وليس هي، وأننا من نسعد بتقديم الهدايا لها وليس هي، وبأن وجودها هو الحياة لنا نحن وليس لها، ولذلك يستمر الأبناء على الدوام بمحاولات رد ذاك الجميل، ولكن عبثاً فالعطاء أكبر من أن يرد، وعندما ينقطع الأمل يعود إلى البال أن الجيد في الأمر هو أن دورة الحياة تمنح أولئك الأبناء فرصة لرد الجميل ولكن بطريقة مختلفة، وهي نقل العطاء من جيل إلى آخر فالجميع في النهاية سيصبحون أمهات وآباء بطريقة ما، وعندها سيزداد حبنا لـ”ست الحناين” وسنتأكد ويبلغ اليقين منتهاه بحجم عطائها اللامتناهي، وسنعلم بأنه مهما بلغت ثقافتنا وعلومنا سنقف عاجزين عن وصف الأم عندما يطلب منا ذلك وستهرب الكلمات عندما نريد التغزل بعينيها وملامحها وبدفء يديها اللتين تعطيان السلام.. وكل الحياة.
لوردا فوزي