أخبارصحيفة البعث

ترامب “ملهم” إرهابي نيوزيلندا

 

للكلمات وقع أشد وأقوى من دوي المتفجرات، حقيقة يعلمها ساسة الغرب ويتناسونها عامدين، ومن غير المفاجئ أنهم استخدموها كأداة للتأثير على قطعان تنساق بسهولة وراء الأحقاد غير المبررة، وهو ما أدى بطريقة أو بأخرى إلى مجزرة يوم الجمعة 15 آذار في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، التي راح ضحيتها أكثر من 49 شخصاً.
تعالت الأصوات منددة بالمجزرة، لكنها لم تستطع إخفاء أصوات المتطرفين الذين احتفلوا بهذا “الإنجاز”، وربما يكون وصف رئيس الوزراء النيوزيلندية جاسيندا آرديرن للعمل الإرهابي بأنه “عمل عنف غير مسبوق وغير عادي” صحيحاً في نيوزيلندا لحد ما، لكنه من المؤكد ليس الأول على مستوى العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة، ولعبت في ذلك عوامل عديدة، كصعود الشعبوية الغربية واليمين المتطرف وتنامي الخطاب السياسي المسموم الذي ينضح بالعنصرية والكراهية ويحرض عليهما.
وحدثت العديد من الأعمال الإرهابية التي أثارتها دوافع مماثلة، كحادثة النرويجي أندرس بريفيك عام 2011، الذي قتل 77 شخصاً عندما فجر قنبلة في أوسلو ثم فتح النار على مخيم صيفي للشباب في جزيرة نرويجية، وقيام 3 شبان بريطانيين عام 2017 بدهس مصلين لدى خروجهم من أحد المساجد في لندن.
وكيف لنا أن نتحدث عن مجزرة دون أن نذكر الولايات المتحدة وعلى رأسها ترامب، الذي لم يخف يوماً عنصريته بل يتفاخر بها، وكل تصريحاته تصب في مصب واحد، وهو إشباع تعصبه الأعمى.
أعمال العنف والكراهية تزايدت بنسب مهيبة منذ تولي ترامب الرئاسة، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل غزت كلماته السامة أوروبا وغيرها من بقاع العالم، والبيان الذي نشره الإرهابي على الانترنت قبل المجزرة بيومين دليل دامغ على ذلك، حيث قال فيه إن ترامب “ملهمه”، كما أنه يُعتبر بطلاً في نظر النازيين الجدد والمتعصبين البيض.
كذلك أبدى العديد من مستشاري ترامب في عدد من المناسبات تعاطفهم مع “القومية البيضاء” واليمين المتطرف، أمثال ستيفن ميلر وستيف بانون ومايكل آنتون، ويشاركهم تلك الآراء العنصرية مسؤولون أدنى مرتبة في الإدارة.
وترامب ليس المتهم الوحيد، فهناك العديد من الساسة في الغرب الذين يمكن توجيه إصبع الاتهام إليهم، ومنهم رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، الذي يرفض مفهوم المجتمع متعدد الأعراق، ونصب نفسه مدافعاً عن أوروبا “المسيحية” ضد “الغزاة” المتصورين، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل قال أوربان بعيد المجزرة بساعات دون أن يُشير إليها بشكل مباشر: “لولا ثقافتنا المسيحية لما كان هناك حرية في أوروبا.. وإن لم نحم ثقافتنا المسيحية سنفقد أوروبا”.
تشير هذه المجزرة إلى انتشار التطرف في الغرب بشكل كبير، وبطء تعامل السلطات معها يعد أمراً غريباً، لا سيما أن هذا النمط تكرر كثيراً، وهي لا تشكل إلا جزءاً يسيراً من الحقد القابع في قلب اليمين الغربي المتطرف الذي يتغذى على التعصب المتعطش للدماء، فهل ستتخذ تلك الحكومات إجراءات استباقية لمنع وقوع أحداث وحشية كهذه ولإزاحة بعض اللوم عن كاهلها؟.
علاء العطار