حقيبة فارغة
مع مرور الزمن تحوّلت بعض الجهات والمؤسسات العامة إلى مجرد هياكل محسوبة على القطاع الحكومي، ومجرد تقصي مستوى الأداء خلال سنوات من عمر هذه التشكيلة الوزارية أو تلك، نكتشف مدى الروتين القاتل الذي بلغ أشده في تلك الإدارات والمواقع مما سبّب حالة من الاستياء العام عند المواطن قبل المراقب والمتابع في أي موقع كان.
في الكثير من دول العالم تتربع وزارات معيّنة في سلم الأولويات والاهتمام، لدرجة أصبحت في عداد الوزارات الأساسية وصاحبة قرار في كل توجّه يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، وليست مجرد صور لبريستيج رسمي أو أشياء من قبيل ذر الرماد في العيون، على مبدأ أن التنوّع المؤسساتي قائم وموجود، ولا مجال للقول إن الحكومة مقصّرة في الاهتمام بهذا المجال، لأن المأسسة حاضرة والعيب في الاستثمار الحقيقي للإمكانيات الموجودة.
ينطبق كلامنا السابق على القطاع البيئي أكثر من غيره، ولاسيما أن هذا الملف يدخل في جميع المناحي والأنشطة أياً كان نوعها وطبيعتها، ولا داعي هنا لدليل إثبات، فمن المعروف أن البيئة هي الحاضن الرئيسي في تحديد ماهية القرار ونتائجه المباشرة وغير المباشرة، ويعرف المتابع لهذه الجهة التي باتت اليوم مدمجة تحت إبط وزارة الإدارة المحلية بعدما كانت مستقلة، أن القدم والتاريخ الذي تتمتّع به يجعلها في مصاف الوزارات المهمّة بلا منازع، ومن المفترض أن تتمتّع بباع طويل في تحديد مصير كل الخطط التنموية والإستراتيجية، وكذلك اتخاذ الموقف المطلوب من هذا المشروع أو ذاك.
يتفق الجميع على أن ثمة مشكلة ما في أداء هذه الوزارة، مقرونة بطرائق التعاطي معها من قبل الوزارات الأخرى التي لطالما تعوّدت على تحييد لصفحة البيئة وإقصائها عن القيام بصلاحياتها المنوطة بها والمنصوص عليها في الأنظمة والقوانين، والأهم أدبيات العمل الحكومي العام. ففي الوقت الذي يحمّل معظم العاملين في هذا القطاع المسؤولية للجهات الأخرى التي تتملّص من التنسيق مع البيئة في كل الملفات، هناك من يرى أن الوزارة لم تقصّر عبر سنوات طوال في الانسحاب من الدور الحقيقي، وبالتالي اتخاذ موقف سلبي مفاده الترهل الإداري والوظيفي ومن ثم ترك الانطباع بأن الوزارة مركونة على الرفّ مما يستدعي التعاطف العام.
وبغضّ النظر عن تحميل المسؤوليات والاصطفاف بين هذا الرأي أو ذاك، يعرف الإعلاميون قبل غيرهم بأن الثقافة التي تلفّ عقلية الوزارات تنمّ عن جهل واضح بأهمية دور وزارة البيئة التي تستبعد من اللجان الوزارية، وإن حضرت فلا يؤخذ برأيها لأن المعيار البيئي في آخر الأولويات عند معظم المسؤولين، ولا أحد يهتمّ لما بعد تدشين هذا المشروع وإطلاق هذا النشاط أو الخدمة بالتوازي مع إهمال متعمّد لدراسات وبرامج وخطط، والأهم مقترحات وأفكار اقتصادية وصحية ومستقبلية، وأحياناً مصيرية لا يمكن الاستهانة بعواقبها إن اعتمدت وطبقت بعكس رؤية “البيئة”صاحبة الاختصاص في هذا المجال، والتي لا يمكن التقليل من كفاءة المختصين ونتاج عملهم الذي ضجروا من المجابهة فيه ولكن لا حياة لمن تنادي!.
علي بلال قاسم