دراساتصحيفة البعث

إيــــــــــــران وغرف أمريكا السوداء

علي اليوسف

حتى الآن لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية مصرّة على تعاملها العدائي ضد إيران، ولاتزال تستخدم أساليب التهديد والترهيب نفسها، بل تسوّق أنها ذاهبة لضرب إيران على طريقتها الخاصة عبر الوكيلين: النظام السعودي، والكيان الإسرائيلي، ويلحظ أنه بعد انسحابها من الاتفاق النووي تقوم الولايات المتحدة باستثمار العقوبات الحالية على إيران عبر زرع الفتنة في الداخل الإيراني بهدف إقامة “ثورة ملونة”، كما حصل في سورية، وفي عدد من الدول الأخرى.
لم تنفك أمريكا باستغلال انشغال إيران بالقضايا الإقليمية التي، في حال الابتعاد عنها، ستكون حلقة ضغط أخرى عليها، وهو السيناريو نفسه الذي تسعى الإدارة الأمريكية لفرضه على محيط روسيا وفنزويلا، لذلك نراها على تواصل دائم مع المعارضين لسياسة إيران في الخارج الذين وظفتهم واشنطن كما وظفت قبلهم معارضة سورية في الخارج، وهؤلاء لا يقتصر دورهم إلا على انتقاد السياسة الإيرانية من خلال استغلال الوضع الاجتماعي في الشارع الإيراني، وبالإضافة لذلك طلبت من عدد من الإعلاميين والمثقفين الإيرانيين، بعد أن تم تجنيدهم لخدمة هذا المشروع، اللعب على وتر مساعدة المقاومة في لبنان، وسورية، والحشد الشعبي، والحوثيين في اليمن، بحجة أن الشعب الإيراني أولى بالخبرات والأموال التي تذهب هنا وهناك، واستغلال الوضع الاقتصادي من أجل زعزعة أركان الدولة تحت تأثير الوضع المالي والاقتصادي، وأكثر من ذلك، فقد جهزت غرفاً إعلامية سوداء في دولة الإمارات، والأراضي المحتلة بإشراف مباشر من عناصر الموساد الإسرائيلي، ومجموعات الحرب النفسية، بمشاركة شخصيات إماراتية، وسعودية، وصهيونية، وغربية.
وبالتوازي مع هذه المشاغلة الداخلية، تحركت أمريكا على خط الإشغال الخارجي، ومنها ورقة طالبان في الملف الأفغاني، لأن هذا الملف بالتحديد له خصوصية عالية لدى القيادة الإيرانية، ففي أواخر كانون الأول من عام 2018، زار وفد من حركة طالبان طهران للمشاركة في حل قضية السلام في أفغانستان، لكن أمريكا لم يرق لها هذا الدور الإيراني، ورفضت أية مشاركة إيرانية في التسوية، رغم أنها أتت بطلب رسمي من حكومة كابول، ومن ينظر في أبعاد الرفض الأمريكي يجد أن هدف أمريكا من هذه العرقلة هو تحريك الحدود الإيرانية- الأفغانية عبر تسخينها، وخاصة في المثلث الحدودي بين إيران- أفغانستان- باكستان، أي إرباك الدولة الإيرانية في أقصى جنوب شرق إيران، كما حدث في تفجيرات عام 2017، ما يعني أن صانع القرار في الإدارة الأمريكية يرى أن تسخين هذه الجبهة مطلب ضروري لزعزعة أمن إيران، ولذلك فإنه من شبه المؤكد أن العناصر الإرهابية التي تنقلها أمريكا، سواء من سورية، أو من مناطق ساخنة أخرى، سترسل إلى هذه المنطقة بانتظار إشارة المشاغلة من قبل أمريكا، ومن المؤكد أن طهران تعرف هذه المعلومات، وتدرك أن العبء الأمني أكثر من كبير، وبغاية الأهمية في هذه الظروف، ولا شك أنها تعمل بدقة عالية في المجال الأمني، وهي الخبيرة في هذا المجال، لأنها تدرك ملياً ما تحيكه أمريكا ضدها.
قد تترجم الإدارة الأمريكية نواياها بإشعال الحدود الأفغانية مع إيران، وما قد يرافقه من حراك لمجموعات الضغط التي وظفتها أمريكا، لكن الضربة العسكرية الخاطفة التي يروّج لها في الإعلام الصهيوني بمشاركة الكيان الإسرائيلي عبر الحدود السعودية أو الأفغانية لن تكون نزهة، أو استعراضاً للعضلات، لأن الرد الإيراني بلا أدنى شك سيكون صاعقاً ومفاجئاً قد يقلب معادلة المنطقة برمتها، وربما العالم!.