مواقيت لطرقات قلب
الوهج الأول
قطرات من أسئلة تمطر من عيني امرأة غريبة تجوب المناطق وتتلفت بوجدها وهي مذعورة وكأن الفزع سكن ضفائرها, واعتلى خلسة محياها ونثرته الريح على شاكلة غيمة ضائعة وعطر أشعث لا يعرف مدى، لتذكر الدقائق أنها شبيهة ببلادها أهملها أهلها وفروا مجلجلين بحزنها، هي الآن تبكي على احتمالات الأمكنة لكنها تحاول أن تسكب ذاك العطر على المارين في خيالاتها، إنها الآن تفصل لهم الفجر على قياساتهم علهم يقرعون أبواب الانتظار فترقص خواصر الزهر, وتزدهي أهدابها ويتخذ الورد في غوغائيتهم له منعطفا آخر.
الوهج الثاني
في بداية شوق جارف يرمق القلب فيه نرجسة ناشطة تقبع خلف أسياج الأفق، وأسوار الانفعالات تهيم بالتساؤلات، كان بإمكانك أن تكتسب شرف اغتيال الشوك وتقديم الماء لجذورها ولو سرا، إلا أنك اكتفيت بالنظر من وراء زجاج ديارك تبحث عن العناوين, والاجتزاءات من ضيع الشذى، ومن باع الزنبق؟
لا تسأل إذاً عن تلك العاصفة التي حولت وجه البحر غضبا وكونت في أحشائه وجوها للصيد وأجسادا للاغتيالات، العتب الآن بحجم أعماقه عليه لا عليك، فلا عليك، الزوارق الآن تحاول التجديف لإنقاذ ما تبقى من جذور النرجسة هناك.
الوهج الثالث
تتخاصم الجهات؟ تكثر الاجتهادات بينما أنا أشتري أطعمة لهذه العصافير التي وعدتني بأنشودة طويلة تغسل ذاك النعاس الخدر، أقف وبحوزتي أحرف لكما، أهم بالخروج للشمس بعد أن اتكأت كثيرا على جدران مهترئة، اترك صوتي للنرجسة ليصير دربا للأيام وأبتاع الوقت علني أجد ظلا في كل هذا الخراب غير خائفة من تطرف الأمواج، وهيجان هذا الغضب، عندي كل السبب، والاعتبارات تنادي بصمتها تلك العاشقة المنتظرة زوال المسببات.
في الشفق الأول
تتزاحم الخطى لتتوضأ بهمس ذاك الوميض الذي لمحته في رؤى المخيلة ومساكب الآلهة في تجسداتها على مشارف بيت العاشقة السكرى برائحة الياسمين، تغتسل ضوءا لقدومها، أنيقة بكامل زهوها وجمالها للقياها، وبعد الخطوة الأولى تنسى أنها تركت وراءها محفظة مواعيد لاقتفاء أثر العودة كل وهج صلاة، للبلد، للفجر المنتظر، ولحلم عيني تلك الجميلة بشمس تشرق على قلبها وبيتها وبلدها، فتركض مسرعة للوراء متأبطة تلاوة آية الصابرين لكل هؤلاء الموعودين، فيصيح صليب الشوق أيها النبض اللامع شوقا لماذا نسيتني؟
في الشفق الثاني
تتهافت إيقاعات هديل حمائم السلام بين أورقتها الحزينة، تنحني لتلتقط صدى رفرفة أجنحة بياضها خاشعة لأرض صوتها وبشراها، فترد السماء لقد فتحت أبوابي لملكوت يديك فتعلقي إذا بريشة واكتبي، وما إن تحاول أن تخط هيامها بحبر الصبر على أول مفرق للصعود لعرش النداءات متخذة درجات الصمت سبيلها، حتى تتساقط الريشة فوق حبر الأحزان والأوراق، وتفر الكلمات إلى ذكرى البلد الدامع والمدمى، لتقرأ طيّري كل يوم أمنية فمازال الدرب محفوفا بالمخاطر والاغتراب والشوك،لكن لك مجدي وأبديتي في الرغبة وطوباك ارتقاء في محفل الكلمات فينشد النداء: سلام عليك وعليها وعلى من يحب السلام.
في الشفق الثالث
قبل بزوغ خيوط أول همسة للدفء، تتهيأ السنابل الباردة لترفع رأسها لشمس الحقيقة، تهم بنفض غبار الصقيع عن كاهلها سنوات، ترنو بعيني الحسرة حينا والأمل حينا آخر لذاك اليباس والقحل بسبع عجاف من أنين وهجرة مرت بفعل حصادي الظلام والغزاة، وما إن يسمع همهمتها الفاسدون والطغاة حتى يسارعوا بتجارة المناجل ودحرجة رؤوس القمح ونهب البذار.
الفجر
عند آخر هنيهة لتلك المفارقات يدفع الشفق والوهج بكل إرادتهما ليلدا بعد ذاك المخاض العسير شمس الفرج والفرح فتطير الحمامات، تستفيق العاشقة من السبات، تختفي الظلمة الحالكة التي بثها الجلاد والغزاة في القناديل والطرقات، تتوهج الأغنيات بالحياة، تتأبط الأوراق خصال الشعر من ذهب أشعة الابتهالات، تزدان القوافي، ومع كل سطوع وسطوع تختفي معالم وتحيا عبارات، ولكن بين السطر والسطر يخرج خفر الحروب والقبور والطرقات ليجهضوا كل شعاع منبثق، تستشيط حينها العاشقة هياما ورقصا مدونة على كل سنبلة وقافية: لنا الأرض والشمس لنا التراب والغيم الشفق والوهج، لنا نحن الحياة، ها إني حارسة للفجر حتى تسطعي يا شمس الحب في الجنبات، رغم أنف الظلم والظلام والغزاة، فيرد صدى الليل وخفافيشه إننا لك لما تفعلين بالمرصاد.
رشا الصالح