رشيدة الديماسي: الخط العربي جزء من اللغة العربية
في بلدها تونس التقيناها ليظل سؤالها الدائم طيلة فترة الحوار عن أحوال سورية التي وإن لم تزرها وإنما عرفتها من خلال لقائها بمجموعة من الفنانين السوريين في مجال الخط، وقد التقت بهم في مهرجانات وملتقيات عديدة وأُعجبت بما يقدمونه من إبداع وهي الباحثة في علوم التراث-اختصاص آثار إسلامية، وتحضّر اليوم رسالة دكتوراه حول تعليم الخط العربي في البلدان العربية والإسلامية-دراسة مقارنة مع بعض البلدان الأجنبية بعد أن حصلت على الماجستير عام 2014 في نفس الاختصاص من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية-جامعة تونس الأولى حول الخطاطات الكاتبات بالعربية في العالم في الفترة المعاصرة، مبينة أن ما شجعها على تناول هذا الموضوع وجود خطاطات تونسيات كتبنَ المصاحف أو أمرن بكتابته، مشيرة كذلك إلى أنها أنجزت العديد من البحوث والدراسات حول الصومعة في تونس بين الوظيفة والمشهد الحضري، مميزات الخط الكوفي القيرواني، قراءة من خلال مصحف الحاضنة وكراس عامر بن جدو، الخط العربي والزخرفة في العمارة الإسلامية الدينية جامع عقبة بن نافع بالقيروان نموذج الخط الكوفي القيرواني، مساهمة المرأة التونسية في كتابة المصاحف عبر التاريخ، إبداعات نسائية في مجال فن الخط العربي، مكانة الإبداع الفني الإسلامي وإشكالية الخط العربي بين الإثبات والحماية.. وغير ذلك.
صحوة ضعيفة
تشير الديماسي إلى أنها عضو شرف في الجمعية المصرية العامة للخط العربي والمركز العراقي للخط والزخرفة والجمعية المغربية لفنون الخط بالمركز الثقافي ومركز ذنون للخط بوجدة-المغرب وعضو في الجمعية النسائية العالمية “سروبتيمست أنترناسيونال” الرابطة الأوربية نادي تونس أريانة والجمعية النسائية العالمية، وهي تأسف لأن واقع الخط في تونس اليوم متواضع لأبعد حد مع عدم وجود ثقافة خطية في ظل وجود عدد قليل من الخطاطين التوانسة والسبب برأيها يعود للعصرنة التي نعيشها ووجود بعض السياسات التي أبعدت الخط عن الناس إلى جانب وجود اتجاهات أخرى كالفنون واللغات التي أغرت التوانسة أكثر من التوجه للخط دون أن تنكر وجود صحوة -ضعيفة جداً- حول أهمية وقيمة الخط، منوهة إلى وجود مركز لتعليم الخط تابع لوزارة الثقافة في تونس وهو يعاني من ظروف مادية صعبة، ويحزنها وجود عدد قليل من الدارسين فيه إلى جانب وجود جمعية تونسية لفنون الخط تأسست منذ 6 سنوات وهي تنشط بتواضع بالإضافة لوجود بعض النوادي الثقافية التابعة للوزارة وبعض المبادرات الخاصة
الحاسوب اكتسح الخط
تعتز رشيدة الديماسي بوجود مجموعة من الخطاطين القدامى في تونس وهم معروفون على الساحة الدولية مثل عمر الجمني وجلالي الغربي وغيرهم من الرواد في هذا المجال ما زالوا ينشطون في مجال الخط معترفة أن حضور الخطاطات في المشهد الخطي خجول جداً، فعدد النساء الممارسات ما زال محدوداً للغاية، مشيرة إلى أن الجيل الشاب بالعموم لم يغرِه موضوع الخط في تونس مؤكدة أن عصر التكنولوجيا على الرغم من بعض ايجابياته التي ساهمت في سرعة البحث والانجاز إلا أنه كان سيفاً ذا حدين حيث قضى على الثقافة الخطية، فالتقنيات الجديدة برأيها أفسدت موروثنا الحضاري القديم والحاسوب اكتسح الخط العربي وأحدث برمجيات من كل الخطوط وهذا ساهم في عزوف الشباب عن الخط وأحيانا عن الكتابة بالقلم ويؤسفها أن هذه الظاهرة بدأت تغزو أطفالنا وشبابنا ولذلك تحضّر اليوم لأطروحة دكتوراه عن تعليم الخط في البلدان العربية والسلامية ومقارنتها مع الدول الأجنبية، بعد أن لمست عزوف الكثير من الشباب عن الكتابة بالقلم أو الاستعانة برموز بدلاً من اعتماد الكتابة بالحروف العربية وهذا برأيها أثّر سلباً على اللغة والثقافة العربية وأبعدت جيلنا عنهما معتقدة الديماسي أن إهمال موضوع الخط أمر مقصود في عصر العولمة التي أثرت سلباً على ثقافتنا بهدف طمس الحضارة والثقافة العربية والتراث الإسلامي، وأكبر دليل هو أن تدمير المتاحف ونهبها كان أحد أهداف الحروب الجديدة التي شُنت على البلاد العربية وما حدث في العراق ودول أخرى خير شاهد على ذلك، مبينة أن هذا الهدف مارسه الغرب منذ القديم والدليل أن المتاحف العالمية مليئة بكنوزنا من مصاحف وخطوطات وآثار إسلامية منذ زمن بعيد.
الثلث أعقد الخطوط وأجملها
وتبيّن الديماسي أن أهم الخطاطين التوانسة هو عمر الجمني وهو نجم ساطع في سماء تونس وخارجها وجلالي الغربي وعامر بن جدو الذي أبدع كراساً في الخط القيرواني، وهناك أسماء أخرى تحاول توعية الشباب لأهمية الخط العربي وهي تعمل على اكتشاف المواهب إلى جانب جهود تقوم بها جمعية خاصة وحيدة تضم مجموعة صغيرة من الخطاطين الذين يحاولون تنشيط العمل في مجال الخط، وإقامة معرض وطني للخط وورشات للخطاطين في دور الثقافة التي تعمل وسط العاصمة، موضحة رشيدة الديماسي أنه توجد عدة مدارس في مجال الخط كالمدرسة البغدادية والعدنانية، وأن الشرق عموماً يميل إلى استخدام خط الثلث وهو من أعقد وأجمل الخطوط وكذلك الخط الكوفي القديم والخط المضفر القيرواني وخطوط أخرى معروفة في كل بلد، ولا تخفي الديماسي إعجابها بتجربة الخطاطين الإيرانيين والأتراك والسوريين وتجربة الخطاطات العراقيات وخاصة تجربة الأختين جنى وفرح أحمد عزت في الموصل وهما برأيها من أمهر الخطاطات في العالم وتتلمذتا على يد خطاطين في الموصل ومن ثم في مصر كسيد إبراهيم وحامد الامدي في تركيا.
الخط جزء من اللغة
وترى الديماسي أن النهوض بواقع الخط في تونس يستلزم إدراجه في المناهج التعليمية منذ الصفوف الأولى ونشره في الشارع ليتعود الطفل منذ صغره على رؤيته، خاصة وأن الخط العربي جزء من اللغة العربية منوهة إلى وجود عدد كبير من المخطوطات غير المقروءة أو المعروفة، لأن من لا يعرف الخط لا يمكنه قراءتها لذلك تؤكد في أطروحة الدكتوراه على أهمية الخط وضرورة إعادة تعليمه للناشئة ليس كفنٍّ فقط بل كأداة تواصل.. من هنا تدعو إلى ضرورة تثقيف الجيل الجديد بهذا المجال ووضع استراتيجيات لهذا الأمر والبداية تكون برأيها من خلال الأسرة التي يجب عليها تعويد الطفل على زيارة الآثار الإسلامية ليأتي بعد ذلك دور المدرسة التي عليها أن تنظم رحلات للمواقع الأثرية والمتاحف وتقديم التراث من خلال قصص وحكايات جميلة تبين أهمية تراثنا فهي وبعد دراستها للآثار الإسلامية يحزنها أننا لليوم لا نعرف كيف نحافظ على كنوزنا وتراثنا الحضاري وكيف أن صحوة العرب للآثار الإسلامية جاءت متأخرة مع المستشرقين الذين عرفوا قيمة هذه الكنوز التي ما زلنا لا نعرف كيف نحميها ونهتم بها بحجة عدم وجود إمكانيات مع أنها ثروة تضاهي ما يملكه العرب من بترول.
قيم فنيّة وجمالية
وتوضح رشيدة الديماسي أن فن الخط العربي يُعتبر هوية الأمة العربية وتراثها والمرآة العاكسة لواقعها الاجتماعي الفكري والحضاري وأصدق دليل لمزاجها وذوقها الفني وأثراً من آثار الرقي الاجتماعي وقد تبوّأ الخط هذه المنزلة المتميزة في التراث الإسلامي إلى جانب تعبيره ودلالاته من خلال حروفه ونقاطه عن قيم فنيّة وجمالية معينة وهو وسيلة من أعظم وأرقى وسائل إيصال المعرفة، نظراً لاقتران الحرف العربي باللغة العربية التي هي لسان الأمة العربية وهويتها ومدخل لكل معارفها لذلك لا بد أن يعود الاهتمام به ضمن منظومة الاهتمام بالثقافة والتعليم في الوطن العربي.
تونس- أمينة عباس