“نشاز خدمي”
من جديد يفرض الواقع الخدمي المتردي في حلب نفسه كرقم صعب وشديد التعقيد، في ضوء ما تعانيه المنظومة الخدمية بشكل عام من ترهل، وقصور واضح في الجانب الخططي والتنفيذي على السواء، نتج عنه الكثير من المشكلات والأزمات اليومية.
وفي هذا السياق وعلى سبيل المثال لا الحصر يحضرنا الحديث عن تجربة إنشاء المطبات البازلتية التي ابتكرها مجلس المدينة كبديل عن المطبات الإسفلتية، بهدف تحقيق الانسيابية المطلوبة في مرور السيارات، وتأمين المرور الآمن للمشاة، وبالتالي الحد من الحوادث والاصطدامات.
ومع أن الفكرة جيدة ومقبولة شكلاً على الرغم من كلفتها المالية العالية، إلا أن مراحل وتفاصيل تنفيذها في وقت الذروة يصطدم بالكثير من المعوقات والصعوبات، فمن غير المقبول أن يستغرق إنشاء مطب أمام كلية الميكانيك أكثر من شهر، ويتسبب في تعطيل الحياة العامة للمواطنين والطلاب والعاملين من الوصول إلى جامعاتهم ووظائفهم وأشغالهم، في حين نسمع ونرى أن دولاً بنت مدناً كاملة بشوارعها وجسورها وأبنيتها ومرافقها وجسورها خلال ستة أشهر.
وهنا بالتأكيد لا نقصد المقارنة، ولكن نشير إلى أنه ورغم فوارق الإمكانات وضآلتها، وربما انعدامها نتيجة ما أفرزته الحرب الإرهابية من آثار وتداعيات سلبية على مجمل مفاصل الحياة والعمل، نجد أنه بالإمكان تحسين المشهد الخدمي فيما لو تم التعاطي مع ما هو متوفر ومتاح بجدية وغيرية وبروح عالية من المسؤولية الوطنية، والتي تتطلب أن تكون في أعلى درجاتها خلال هذه المرحلة على وجه التحديد، وذلك خلافاً لحالات النشاز التي يشهدها هذا القطاع الحيوي خاصة على المستوى التنفيذي والذي لا يرقى قطعاً إلى مستوى ما هو مطلوب إنجازه ضمن مشروع إعادة بناء حلب وعلى نحو متطور يواكب الحداثة المنشودة، والقضية هنا تتعدى بكثير موضوع – المطب البازلتي – وهي تتعلق عضوياً بمفهوم الإدارة والتخطيط غير المتوازن والمتخبط الذي يسود العمل الخدمي، وبالتالي من الطبيعي أن تتفاقم حدة الأزمات وينخفض مؤشر منسوب إنجاز المشاريع إلى درجاته الدنيا، في الوقت الذي ترتفع فيه مؤشرات الإنفاق إلى حدها الأعلى ودون رقيب أو حسيب.
خلاصة القول: لم تك تجربة المطب البازلتي موفقة، وربما كشفت المستور وحجم الترهل والوهن الذي تعاني منه مفاصل العمل الخدمي بحلب، وما ينبغي على المعنيين في مجلسي المحافظة والمدينة من إجراء مراجعة متأنية وشفافة لآليات العمل، وأن تستوفي المشاريع الخدمية وغيرها كافة الشروط الفنية المطلوبة، وأن يكون الاختيار مناسباً – للزمان والمكان – قبل إطلاقها حتى لا نقع في محظور المطبات مجدداً.
معن الغادري