من “أمريكا أولاً” إلى “العسكرة أولاً”
ترجمة: عناية ناصر
عن غلوبال تايمز ٢١/٣/٢٠١٩
يتزايد الإنفاق العسكري الأمريكي عاماً بعد آخر في إطار نهج متشدّد تتبناه إدارة ترامب، لكن الاستراتيجيين يؤكدون أن ذلك لن يجعل من أمريكا أمة عظيمة مرة أخرى، بل سيزيد من مساحة التوتر وعدم الاستقرار في العالم.
يمثل الإنفاق الدفاعي نحو 750 مليار دولار من إجمالي نفقات الميزانية البالغة 4.6 تريليون دولار التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً، وستحصل وزارة الدفاع الأمريكية على 720 مليار دولار من هذه الميزانية، أي بزيادة قدرها نحو 3.3 مليارات دولار عن السنة المالية 2019. وبهذه الميزانية تحوّل شعار “أمريكا أولاً” الذي طرحه ترامب إلى حدّ كبير إلى “العسكرة أولاً”، حيث شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة مستمرة في الميزانية العسكرية الأمريكية. وعلى الرغم من الدين الفيدرالي الذي تجاوز 22 تريليون دولار، لا يزال البنتاغون قادراً على الحصول على دعم مالي كافٍ، وسوف تشكل الميزانية العسكرية للعام المالي 2020 نسبة 3.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة.
إن العامل الرئيسي الذي يعزى إليه هذا الارتفاع هو التغيير الذي قامت به إدارة ترامب في إستراتيجية الأمن القومي، وخاصة بإعطائها الأولوية الموضوعة للتعامل مع المنافسة الإستراتيجية مع الصين وروسيا. وقد أكد تقرير إستراتيجية الأمن القومي الذي صدر في كانون الثاني 2018 على أنه يتعيّن على الولايات المتحدة تحويل محورها الاستراتيجي من مكافحة الإرهاب إلى التنافس مع القوى العظمى الأخرى. ما يعني أنه سيتمّ إنفاق معظم ميزانية الدفاع المتزايدة للسنة المالية 2020 على الفضاء وأمن الشبكات والمجالات الأخرى ، والتي تعتبر من قبل الولايات المتحدة بمثابة ساحات جديدة لمنافسة القوى العظمى. وقد تمّ تخصيص ما مجموعه 14 مليار دولار من الميزانية لتطوير القدرات الفضائية، بزيادة قدرها 15 في المئة عن عام 2018. ففي حزيران الماضي، أعلنت إدارة ترامب خطة لإنشاء قوة فضائية، والتي تمّ توجيه انتقادات لها كونها مكلفة للغاية. وتشير التقديرات إلى الحاجة لـ 13 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأولى لإنشاء قوة فضائية قوامها 13000 شخص.
وستنفق الولايات المتحدة المزيد من الأموال على تعزيز نظام الدفاع الصاروخي في المستقبل، مع تركيزها بشكل خاص على استهداف الصين. ففي كانون الثاني عام 2019، أصدرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية تقريراً تقييمياً عن القوة العسكرية للصين، زاعمة أن الصين كانت فعلياً في طليعة الدول التي تقوم بتطوير التكنولوجيا العسكرية كالأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأنها ستقوم بنشر أكثر الأسلحة تقدماً في العالم.
وإضافة إلى الفضاء، يعدّ أمن الشبكات والذكاء الاصطناعي من المجالات المهمّة للتنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وكذلك روسيا في ميزانية الدفاع التي اقترحها البيت الأبيض، وتمّ طلب 9.6 مليارات دولار لشنّ هجمات إلكترونية وعمليات حربية بزيادة قدرها 10 في المائة عن عام 2018.
لقد أثار الإنفاق العسكري الأمريكي المتضخم في السنوات الأخيرة قلق المجتمع الدولي، إذ وصلت ميزانية الدفاع الأمريكية في عام 2018 إلى رقم قياسي بلغ 716 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف عن مثيله في الصين وعشرة أضعاف عن مثيله في روسيا.
كما أنفقت الولايات المتحدة نحو 6 تريليونات دولار على الحروب منذ عام 2001، وفقاً للدراسة التي صدرت عن معهد “واتسون” للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون في كانون الأول الماضي. إضافة إلى ذلك، يقدّر التقرير أن الحروب تسبّبت بمقتل 370 ألف شخص، وأكدت الدراسة أيضاً أن ما يُقدّر بـ 200 ألف مدني لقوا حتفهم، كما تسبّبت الحرب في الشرق الأوسط بأكبر أزمة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أجبر أكثر من 10 ملايين شخص على الفرار من بلدانهم الأصلية.