جنود مجهولون في الكواليس.. مسرحيون بامتياز
هم جنود مجهولون، يعملون بصمت في الظل وفي كواليس المسرح، ولا يكتمل أي عرض مسرحي دونهم، ومع هذا تتجاهلهم أقلام النقاد الذين –غالباً- ما تتوجه أنظارهم نحو الممثل الذي يعتلي خشبة المسرح فينال التصفيق والمديح، ولأن العمل المسرحي عمل جماعي بامتياز لا يمكن لنا أن نتجاهلهم اليوم والمسرحيون في جميع أنحاء العالم يحتفلون بعيدهم.
يمسه بشكل شخصي
يؤكد المؤلف الموسيقي سامر الفقير أن يوم المسرح العالمي يمسّه بشكل شخصي بعد عمله كمؤلف موسيقي لأكثر من 90 عرضاً مسرحيا للكبار والصغار، ولا ينكر أنه يعمل بهوسٍ في المسرح وفي كل الظروف، ففيه يجد متعته الحقيقية، معتبراً نفسه كمؤلف موسيقي شريكاً في أي عرض يشارك فيه، ولا يعنيه أن تسلَّط الأضواء عليه بمقدار ما يعنيه نجاح العمل الذي يعبِّر من خلاله عما يحبه بالدرجة الأولى، رافضاً الفقير أن يكون مجرد منفذ لما يريده المخرج، لذلك يحرص على التحاور معه ومع الكاتب وكذلك مع الممثلين لينجز بعد ذلك ما يراه مناسباً بحيث لا تكون الموسيقا المرافقة للعرض شكلاً تزيينياً بل عنصراً درامياً آخر مؤثراً في سير العرض المسرحي، وهذا ما يجعله حاضراً لكل البروفات التي تقام وكذلك للعروض سعياً إلى معرفة ردود فعل الجمهور على ما أنجزه، رغبةً في تقديم ما هو أفضل في كل مرة، مؤكداً الفقير أن التأليف الموسيقي في العروض المسرحية أمر شاقّ ويحتاج إلى جهد كبير، وهو مدرك أن البعض لا يفهمون أهمية الموسيقا في العرض المسرحي ويرونها مجرد عنصر جمالي، وينصبّ اهتمامهم على ما يقوم به الممثل، خاصة وأن ثقافة جمهورنا في المسرح ثقافة مشاهَدة، ويؤسفه أن البعض يعتقد أن كلَّ ما يشاهده على خشبة المسرح هو من عمل المخرج، مشيراً الفقير إلى أنه شديد الاهتمام بمسرح الطفل وهو الذي يعرف كيف يتعامل معه من خلال احترامه لعقله وخياله الذي يفوق أحياناً ما يقدَّم إليه، لذلك يقدم له موسيقا خاصة به بتقنيات عالية احتراما له وللطاقة الداخلية التي يتمتع بها والتي تجعله يرى ما لا يراه الكاتب أو المخرج أو الممثلون، موضحاً أن الموسيقا في أي عرض مسرحي عنصر هام وضروري ويجب أن تكون نابعة من مضمونه ومعبِّرة عنه، وأكثر ما يغريه في أي عمل مسرحي يشارك فيه كواليسه وما يجري فيها من تفاصيل بين الفريق الذي يسعى لإنجازه، فالمتعة بالنسبة له تتحقق قبل العرض لأنه يشعر أن مهمته انتهت مع تقديمه على خشبة المسرح وأمام الجمهور .
ودعا الفقير كل من هجر المسرح للعودة إليه وتشجيع خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية للعمل فيه، كما يعتب على من قطع حبل الود بينه وبين المسرح.
أرقى الناس وأنبلهم
ويرى مصمم الإضاءة بسام حميدي أن من يعمل خلف الكواليس في المسرح من أرقى الناس وأنبلهم، يبذلون مجهوداً عقلياً وعضلياً كبيراً، وهم يشعرون بسعادة كبيرة لكلمة شكراً تقال لهم، متمنياً أن يتحول يوم المسرح العالمي إلى تظاهرة كبيرة تضم نشاطات وعروضاً تقدَّم على مدار أيام بمشاركة كل المسرحيين، مبيناً أنه كمصمم إضاءة يسعى دائماً وفي كل الأعمال التي يشارك فيها إلى وضع بصمة خاصة به من خلال العروض المسرحية البصرية التي أخرجها كمصمم إضاءة، بسبب عدم وجود مخرج يمكن أن يقدم عرضاً مسرحياً بصرياً بالكامل، وهو اليوم وبعد ثلاثة عروض بصرية يستعد لتقديم عرض رابع يتمنى أن يكون له صدى طيباً لدى الجمهور.
يحتفل بطريقته
ويؤكد مصمم الإضاءة أدهم سفر أن يوم المسرح العالمي يعني كلَّ من يعمل فيه مهما كانت صفته وطبيعة عمله، وهو يحرص على أن يحتفل به بطريقته من خلال اختصاصه، حيث يشارك في تقديم معادل بصري وأداء وإعداد موسيقا لرسالة المسرح وهو عمل مهدى لنعمان جود مؤسس قسم السينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية، متمنياً أن لا يمر يوم المسرح العالمي بطريقة تقليدية مشابهة لبقية الأيام.. ويبيّن سفر أن هناك جهوداً مبذولة لجنود يعملون خلف الكواليس في مجال الإضاءة والصوت والموسيقا والأزياء والديكور، وبدونهم لا يكتمل العرض المسرحي لأن المسرح عمل جماعي، ومن لا يؤمن بذلك لا يمكنه الاستمرار فيه، وبالتالي فإن نجاح أي عمل مسرحي برأيه يتقاسمه شركاء كثر: فنانون وفنيون مبدعون يطرحون أفكاراً ولديهم بصمتهم، وتقنيون منفذون، موضحاً أن قسماً قليلاً من الجمهور والنقاد بدأوا يلتفتون لأهمية العناصر الفنية الأخرى في العمل المسرحي بعيداً عن الممثل والمخرج والكاتب، وهو أمر حديث، حيث في السابق لم يكن أحد ينتبه لدور الإضاءة أو الموسيقا أو الازياء في نجاح العمل، وكان التصفيق والمديح يتوجهان فقط لأداء الممثل، ويفسر سفر التقصير في التوجه لتقييم العناصر الفنية في العمل المسرحي بعدم الدراية بطبيعة وخصوصية عملها وتقنياتها دون أن ينكر وجود عدد قليل من النقاد يدركون ذلك، وهو يتابع ما يكتبونه.
ويؤكد سفر على أن العمل المسرحي لا يكتمل إلا بوجود عناصر فنية تضم فنوناً مهمة تصبّ في خدمة العمل ككل، حيث أن الممثل مرآة لعدة فنون تتلاقى لتنتج عملاً مسرحياً.. من هنا يوجه سفر التحية بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لكل من يعمل فيه دون استثناء.
إسعاد الجمهور
وتشير إيمان عمر التي تعمل في مسرح العرائس كمحركة دمى منذ أكثر من تسعة عشر عاماً إلى أن عيد المسرح العالمي يعنيها كثيراً لأنه الفن الذي أحبته، وتكمن سعادتها بوجودها خلف كواليسه وبيدها دمى تعطيها من روحها وقلبها وعقلها لتسعد من خلالها الأطفال، وهي اليوم تحيي كلَّ مَن يعمل في المسرح سواء على خشبته أو خلف الكواليس، مؤكدة أن حلمها في يوم من الأيام كان أن تعتلي خشبة المسرح برفقة دمية من الدمى.
حارس المكان والذاكرة
وكلُّ من يتوجه إلى مسرح القباني يعرفه، وقد وصف نفسه بحارس المكان والذاكرة.. إنه حارس مسرح القباني علي رضوان النوري الذي أصبح المسرح بالنسبة إليه الابن الرابع بعد أبنائه الثلاثة، مبيناً وهو الذي ما زال شاهداً على مراحل عديدة مرَّ بها المسرح السوري أن أشدَّ ما يحزنه أن يُقدَّم عرض ولا يقبل عليه الجمهور، لأنه شاهد على ما يبذله المسرحيون من جهد لإنجاز عرض من العروض، والفنان الحقيقي تتجلى موهبته على خشبة المسرح، وكشاهد عيان على ما مرَّ به المسرح السوري يتوقف عند فترة السبعينيات والثمانينيات حين كان الناس يتوجهون إلى المسرح بكثافة، موضحاً أن الدراما التلفزيونية أغرت الجمهور والفنانين ولم يبقَ على خشبته إلا عشاقه الحقيقيين الذين يحييهم اليوم في عيد المسرح العالمي.
أمينة عباس