ضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني الغاصب.. باطل ولا شرعية له
المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
التصريحات الأخيرة اللامسؤولة حول الجولان العربي السوري المحتل الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أيام جاءت استفزازية وهي دعاية اعلامية لخدمة الكيان الصهيوني لا أكثر ولا أقل. وهذه التصريحات لا تعنينا مطلقاً ولا تغير شيئاً في الوضع القانوني الذي أقره مجلس الأمن الدولي بالقرار رقم 497 تاريخ 17/12/1981، والقرار رقم 9 /أ / 1 تاريخ 5/2/1982الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي اعتبرت الجولان أرضاً عربية سورية محتلة من قبل العدو الصهيوني منذ العام 1967، فأرض الجولان العربية جزء لا يتجزأ من الأرض السورية الأم.
تصريحات ترامب هذه لا تبدل ولا تغير شيئاً من طبيعة الجولان الجغرافية والتاريخية، فهو عربي سوري وسيعود لحضن الوطن الأم سورية لأن القانون الدولي قال كلمته في ذلك، كما أن العالم ايضاً قد استنكر هذه التصريحات لمخالفتها شرعة الأمم المتحدة.
أقوال ترامب جاءت إرضاءً للكيان الصهيوني، وهي انتهاك صارخ وفاضح لقرارات الشرعية الأممية والقانون الدولي واتفاقيات جنيف.
وقد أسفر العدوان الصهيوني، يوم 5 حزيران 1967، عن احتلال هضبة الجولان السورية، وتشريد أكثر من 150 ألف من المواطنين العرب السوريين من سكان الإقليم الذي وقع تحت الاحتلال، وقد توزع من بقي منهم في الجولان بعد احتلاله على خمس قرى هي مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قينية والغجر.
وتتمثل أهمية الجولان في موقعه الاستراتيجي، وقد ارتبطت المياه في شمال فلسطين والجولان بمعظم المخططات الاقتصادية الإسرائيلية، ذلك أن الجولان غني بمصادر المياه لوقوعه عند سفوح جبل الشيخ، حيث تغذي الأمطار ومياه الثلوج الذائبة تلك المصادر.
إن الاحتلال الإسرائيلي للجولان وبقية الأراضي العربية قد تم بعد أن قام هذا العدو بغزو مسلح لتلك الأراضي منتهكاً بذلك قواعد القانون الدولي التي تحظر استعمال القوة المسلحة في غير حالة الدفاع المشروع.
وقد نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تعريف العدوان بعد مرور خمسين عاماً من المحاولات بقرارها رقم 3314 تاريخ 14/1/1974 الذي اعتبر بمثابة شرح لنصوص الميثاق. وجاء تعريف العدوان في المادة الأولى من هذا القرار كما يلي:
العدوان هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى، أو سلامتها الإقليمية، او استقلالها السياسي، أو أية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف.
كما نصت المادة الثالثة من هذا القرار ما يلي:
تنطبق صفة العمل العدواني على اي من الأعمال الآتية سواء بإعلان الحرب، أو دونه، وذلك من غير الاخلال بأحكام المادة الثانية وطبقاً لها: قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لاقليم دولة أخرى، أو لجزء منه باستخدام القوة.
وأكدت المادة الخامسة من القرار المذكور أنه ليس هناك ما يبرر هذا العدوان.
نخلص مما تقدم إلى أن الكيان الصهيوني بإقدامه على غزو ثم إحتلال الجولان وبقية الأراضي العربية يكون قد ارتكب عملين من أعمال العدوان: الغزو والاحتلال.
وحرب العدوان هي جريمة ضد السلام العالمي، الأمر الذي يرتب المسؤولية الدولية على المعتدي جراء قيامه بهذا العدوان.
اتبعت إسرائيل في عدوانها هذا سياسة الاستيطان في الجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة، وذلك بإنشاء المستوطنات، ونقل وتهجير الصهاينة للإقامة فيها، خلافاً لأحكام المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عام 1949، والتي تحظر على سلطات الاحتلال نقل أو تهجير قسم من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. لكن إسرائيل ورغم كل النصوص الصادرة عن الأمم المتحدة تجاوزت القوانين الدولية، وأصدرت قراراً بتاريخ 14/12/1981 يقضي بضم أراضي الجولان السوري المحتل، وذلك بفرض قوانينها وولايتها وادارتها على هذه الأرض.
وما إن سمع أهالي الجولان بقرار الضم حتى أعلنوا إضراباً عاماً مدة ثلاثة أيام، ونظموا المظاهرات اليومية في قراهم معلنين رفضهم القاطع لهذا القرار. وكان رد السلطات الصهيونية أن قامت باعتقال عشرات المواطنين، كما فرضت الإقامة الجبرية على عدد آخر منهم، وأعلنت مصادرة ممتلكات عدد من المناضلين ضد الاحتلال، علاوة على سلسلة من الإجراءات القمعية التي لم تزد أهالي الجولان العرب السوريين إلاَّ إصراراً على مقاومة قرار الضم، وكانوا يرددون: “نموت جوعاً.. ولا نأكل أو نشرب بالذل”.
وبتاريخ 14/2/1982، أعلن الإضراب الوطني العام في الجولان المحتل الذي استمر ستة أشهر، وكان رداً حاسماً على قرار الضم العنصري، واعتباراً من تاريخ 2/3/1982 حظرت سلطات الاحتلال على سكان الجولان المحتل استخدام آلياتهم الزراعية وسياراتهم الخاصة، ما لم يحمل أصحابها بطاقة الهوية الاسرائيلية التي فرضتها عليهم وفقاً لقرار الضم.
وجاء موقف القانون الدولي من قرار الضم الصهيوني بأن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً، تحت رقم 497 تاريخ 17/12/1981، دعا فيه إسرائيل إلى إلغاء قرارها بفرض قوانينها وولايتها وادارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، واعتبر الضم باطلاً ولاغياً وخالياً من أي مفعول دولي، كما تضمن القرار توصيات بتطبيق التدابير الدولية المناسبة ضد إسرائيل في حال عدم إمتثالها لقرار مجلس الأمن المذكور. لكن هذا القرار واجه الفيتو الأمريكي، ونتيجة لذلك عقدت االجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية طارئة بتاريخ 5/2/1982.
وأصدرت القرار رقم 9/1 الذي أكد على ما يلي:
1- الإعلان بأن الإجراء الإسرائيلي هو عمل عدواني بموجب المادة 39 من الميثاق (الفصل السابع )، وبموجب القرار الخاص بتعريف العدوان قرار الجمعية العامة رقم 3144 (د-29).
2- التأكيد بأن تلغي إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، قرارها بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على الجولان.
3- شجب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الذي منع المجلس من أن يتخذ ضد إسرائيل التدابر المناسبة التي أُشير إليها في قرار المجلس رقم 497 لعام 1981.
4- إعادة التأكيد على الضرورة القصوى لانسحاب إسرائيل إنسحاباً كاملاً من جميع الأراضي المحتلة منذ العام 1967 كشرط أساسي لاقامة سلم عادل.
5- التأكيد على أن سجل إسرائيل وإجراءاتها تثبت أنها ليست دولة عضواً محباً للسلام. وأنها تمعن في انتهاك المبادئ الواردة في الميثاق.
6- مطالبة الدول بتطبيق عدد من التدابير ضد التعامل مع إسرائيل بما فيها قطع العلاقات الدبلوماسية.
هذا وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقاً قرارات عديدة تؤكد على بطلان قرار ضم الجولان للكيان الصهيوني, منها القرار رقم 44 تاريخ 4/12/1989 الذي جاء تحت عنوان:
الحالة في الشرق الأوسط والجولان.
تعتبر إسرائيل نفسها فوق القانون فهي دائماً متمردة عليه ولا تنفذ أي من قراراته، لكننا سنبقى متمسكين بحقوقنا، ونعتبر الاحتلال الحربي حالة طائلة وينتج عليه أثران:
الأول لا ينقل السيادة إلى دولة الاحتلال نتيجة مبدأ استمرار الدولة.
الثاني لا يجيز ضم الأراضي المحتلة الى دولة الاحتلال، سواء كانت الحرب التي تخوضها دولة الاحتلال مشروعة أم غير مشروعة.