اقتصادصحيفة البعث

مواجهة العقوبات الاقتصادية بين المسؤول والمواطن

 

لعقود خلت وقطرنا الصامد يعاني من تعمُّد الخصوم ممارسة العديد من الضغوط السياسية عليه بغية تغيير نهجه الوطني القومي التحرري، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وحيث لم يفلحوا في ترغيبهم وترهيبهم السياسيين، لجأوا لممارسة العديد من الضغوط العسكرية، وآخرها هذه الحرب الهمجية التي يشنونها ضدنا منذ ثماني سنوات، وحيث لم يفلحوا في الضغط العسكري، رغم تنوع ممارساته وحجم اتساعه، لجؤوا مجدداً لممارسة الضغوط الاقتصادية الكبيرة، رغم اجتماع هذه الضغوط الثلاثة معاً بنسب متفاوتة بين حين وآخر.
إن الضغوط التي يتعرض لها بلدنا الآن – خاصة الضغوط الاقتصادية – تكاد تكون فريدة من نوعها، ومع ذلك من غير الجائز أن يوهم البعض أو يتوهم البعض الآخر- أياً كانت المهام والألقاب – بأن هذه الضغوط ستنال من عزيمة شعبنا، وأية تخرصات في هذا الاتجاه مرفوضة كلياً، ومن المفترض ألا يغيب عن أذهان الخصوم – على تعددهم وتنوعهم – أن صمود وانتصار شعبنا على ما سبق من ضغوط سابقة، سيواكبه صمود وانتصار جديدان على الضغوط الحالية واللاحقة، حال حدوثها، وكل ذلك تم وسيتم نتيجة التماسك الشعبي والرسمي معاً، ولا يلوح في الأفق أية شكوك في ذلك.
من المؤكد أن الركون لهذه الضغوط غير جائز، ومواجهتها قرار رسمي صريح وحازم، وقيد التنفيذ اليومي، استناداً إلى تأييد ودعم شعبي، فالمسؤول والمواطن كلاهما معنيان ويعملان معاً لتحقيق نجاح هذه المواجهة. ويومياً نرى الجهود الحثيثة لتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية، خاصة في ميداني الزراعة والصناعة بغية التخفيف من حجم المستوردات الذي تصاعد كثيراً إثر التخريب الكبير الذي طال هذين القطاعين، خلال عدوان السنوات الثماني المنصرمة، ومدعاة للسرور أن آلاف المنشآت الحرفية والصناعية عادت للعمل، وخاصة في حلب ودمشق مكاني تمركز القسم الكبير منها، وقد شهد هذا العام زراعة قسم كبير من الأراضي الزراعية، وخاصة من حبة القمح، نتيجة عودة أعداد كبيرة من المهجرين إلى أراضيهم في أرياف المحافظات التي عانت من هذا التهجير، كما أن العديد من منشآت القطاع العام الإنتاجي، التي كانت متعثرة قد أقلعت أو هي قيد الإقلاع، ومدعاة للسرور أن بعض العمال الفنيين تمكنوا من إصلاح الكثير من الأعطال، بل تمكنوا من ابتكار وتصميم العديد من القطع التبديلية لكثير من الآلات والمعدات المتوقفة، ما خفف من معاناة استيرادها المحظور اقتصادياً، وحجَّم من كلفتها المادية حال كان استيرادها ممكناً.
وتبقى الحاجة ماسة جداً لمزيد من هذه الجهود الرسمية الخيرة، المأمول تتالي تحقيقها عبر الكثير من مواقع القرار ومفاصل التنفيذ، بالتوازي مع تكثيف الجهود للحد من تبوء بعض الفاسدين لمهام إدارية قيادية أو إجرائية، بغية اجتناب مساعي هؤلاء في استمرارية ارتكاب حالات الخلل والقصور والفساد؛ ما يوجب كشف وتعرية ممارسات المسؤولين الفاسدين الذين يتلكؤون في تحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، ويستغلون الظروف الراهنة، لتحقيق المزيد من الكسب غير المشروع، على حساب الوطن ومواطنيه، و يعمدون لتغطية الكثير من خللهم وممارساتهم الخاطئة والفاسدة باسم الضغوط الاقتصادية أو الضغوط الأخرى، والطامة الكبرى عندما يجدون من يبرر لهم ذلك.
ولا جدال في أهمية دور المواطن العادي في هذه المواجهة، والذي عليه أن يدرك أنه ليس من حقه الاستمرار في المزيد من الإنفاق – رغم الغلاء الذي يشكو منه – وكأنه ما من شيء جديد، وليس من حقه أن يلقى بكامل المسؤولية على الدولة، ويغفل عن واجبه لتحقيق المزيد من إنتاجيته في موقع عمله، والتقنين في استهلاكه لكثير من المواد القادمة من الخارج، وخاصة المهرب منها، وألا يبذر في استهلاك المواد المدعومة، ويجتنب المتاجرة بها، وأن يدرك أن غلاء الكثير من المواد يعود لضعف كمية منتجاتها محلياً، وعلى الشباب الحد من كثير من استهلاكهم الواجب والممكن توفير الكثير منه، والاندماج في العمل الإنتاجي – قدر المستطاع – إلى جانب المقعد الدراسي.
إن مواجهة العقوبات الخارجية على تنوعها وتعددها تقع على عاتق المسؤول والمواطن معاً، وستنجح هذه المواجهة، من خلال المزيد من تفاعل الرقابة التشاركية لأداء المسؤول والمواطن معاً، “فالرقابة هي البناء، ومن قصر في ممارستها فقد قصر في بناء بلاده”.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية