ثنائية العمل الشعبي والمقاومة
لم يكن أشد المتفائلين ولا أكثر المتشائمين يرى أن مسيرات العودة وكسر الحصار، التي أطلقها الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر، قادرة على إكمال عامها الأول، أو تحقيق أي إنجاز ميداني على الأرض، فكل التحليلات حينها كانت تقول: إنها ستفشل، وإن الخلافات بين الفصائل ومحاولات البعض الانتهازي لاستثمارها لتحسين شروط بقائه في السلطة ستكون عائقاً أم إكمالها خمس جمع متتالية.. ولكن الذي حصل أن مسيرات العودة فاجأت الجميع وكسرت كل الرهانات، وأكدت من جديد أن القوى الفلسطينية الحيّة قادرة، رغم المعاناة والاحتلال والمؤامرات وهرولة “الإخوة” للتطبيع مع كيان العدو الصهيوني، على اجتراح الحلول وتقديم أنموذج جديد عبر ثنائية المقاومة والفعل الشعبي، كما أكدت على المشروع الوطني القائم على المقاومة كحل وحيد، ولا شيء دونه لاستعادة كل فلسطين.
يعني ذلك أن المسيرات، ورغم كل المحاولات للتقليل من قيمتها، استطاعت أن تفرض معادلة استراتيجية في التأكيد على الحقوق وحمايتها، والأهم إرباك العدو ومشاغلته ومنعه من الاستفادة من الواقع المحيط به لتمرير مشاريعه ومخططاته التوسعية والعدوانية، ولنا أن نرى في حال الانتخابات الصهيونية المبكرة، التي ستجري في التاسع من الشهر القادم مثالاً، حيث استطاعت المقاومة، وهي في حالة رد على اعتداءات الاحتلال على مسيرات العودة، من تحقيق اهتزاز كبير في البنية السياسية الصهيونية، فاستقالة وزير الحرب ليبرمان، وتصدع الائتلاف الذي يقوده نتنياهو لقبوله بشروط التهدئة، وعدم شن حرب على غزة المحاصرة أدى إلى سقوط الحكومة وفراغ سياسي بانتظار نتائج الانتخابات وما ستؤول إليه.
أما إقليمياً ودولياً فقد استطاعت المسيرات بأحداثها اليومية إعادة التركيز على القضية الفلسطينية (اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ثلاث مرات متتالية لمناقشة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني)، كما أنها عرّت وبشكل كبير منبطحي التطبيع، وفضحت مواقفهم وتأييدهم لما يسمى بصفقة القرن الترامبية، وهذه الأخيرة التي كان للمسيرات دور كبير في وضع مداميك كبيرة بوجه إطلاقها أو قبول أي طرف فلسطيني أو عربي بها.
وعليه يمكن القول مرة أخرى: إن الفعل الشعبي المقاوم قدّم مرة جديدة أنموذجاً متقدّماً عن الفعل الحزبي والفصائلي الضيّق، وقطع الشك باليقين أن البوصلة في استعادة الحقوق تكون بتبني مشروع المقاومة، وتوحيد الصفوف، وتغليب العمل الوطني الجامع على المصالح الضيّقة، وبالتالي فإن الجميع مدعو للتلاقي، ولعل في يوم الأرض الذي يصادف غداً فرصة جديدة للتأكيد على الثوابت، وإعادة توحيد القوى والرؤى والأفكار حول مشروع جامع يكون هدفه الأول فلسطين من النهر إلى البحر.
سنان حسن