مجلس الأمن يتبنى بالإجماع قراراً بتشديد تدابير مكافحة الإرهاب
أخيراً، وبعد ثماني سنوات من الدعم اللامحدود للإرهاب في سورية، يبدو أن الغرب استشعر الخطر الذي ستخلفه ارتداداته، حيث تبنى مجلس الأمن بالإجماع قراراً، تحت الفصل السابع، يرمي إلى تشديد تدابير مكافحة تمويل الإرهاب.
عضو الوفد الدائم لسورية لدى الأمم المتحدة الوزير المستشار عمار العرسان، أكد أن سورية هي الشريك الأول والمساهم الأكبر في الحرب على الإرهاب العالمي، ومع ذلك فإنها لم تتلق أي دعم من الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، لا بل تتعرض أيضاً لحصار اقتصادي غير مسبوق تفرضه حكومات دول، إما ساهمت في تمويل هذا الإرهاب أو تغاضت وتسامحت مع مموليه، فيما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 يؤكد على احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها، وهو ما يدل على عدم شرعية احتلال أي جزء من أراضيها.
وفي التفاصيل، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس قراراً يرمي إلى تشديد تدابير مكافحة تمويل الإرهاب، وذكرت مصادر دبلوماسية أن القرار المدرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هدفه تكثيف التعاون الدولي في هذا الإطار، ويطلب القرار من الدول الأعضاء وضع قوانين وطنية وقواعد تنص على جرائم جنائية أو عقوبات مناسبة على أي فرد يستخدم أو ينوي استخدام أموال بشكل مباشر أو غير مباشر لتنفيذ اعتداءات، ويطلب النص أيضاً من الدول الأعضاء تحديد القطاعات الاقتصادية الأسهل لتمويل الإرهاب، وإقامة وحدات متخصصة في كشف الدوائر المالية التي تستفيد منها تنظيمات إرهابية.
كما يحثها على التحرك لكشف سرية التحويلات وتطوير الوسائل لمراقبة المدفوعات عبر الهاتف واستخدام المبالغ النقدية والعملات المشفرة.
وطالبت سورية الأمم المتحدة منذ بداية الحرب الإرهابية التي شنت عليها قبل ثماني سنوات بضرورة العمل الجاد لتجفيف منابع الإرهاب ووقف تمويل وتسليح وتدريب وإيواء وتهريب الإرهابيين، مشددة على أنه ينبغي على الدول التي تدعم الإرهاب في سورية والمنطقة أن تأخذ العبر من الوقائع والتجارب السابقة، وتدرك أن التهديد الناشئ من تفاقم آفة الإرهاب يتعدى دول المنطقة ليصل إلى كل دول العالم وخصوصاً تلك الحاضنة والداعمة له.
إلى ذلك قال عضو الوفد الدائم لسورية لدى الأمم المتحدة الوزير المستشار عمار العرسان خلال جلسة لمجلس الأمن أمس حول مكافحة تمويل الإرهاب: ترحّب سورية باعتماد مجلس الأمن للقرار 2461 لعام 2019 وهي إذ تتطلع إلى التزام دولي حقيقي وجماعي بتنفيذه، فإنها تؤكد على أن مصداقية وفاعلية الأمم المتحدة في مجال تطبيق مثل هذه القرارات تعتمدان على تطبيق قرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب ومنع تمويله وعلى عدم السماح لبعض الحكومات باستغلال هذه القرارات في ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الدول الأعضاء.
وأوضح العرسان أن سورية تشدد على أن ولاية القرار الذي تم اعتماده في مجلس الأمن تنحصر بمواجهة وحظر تمويل الأفراد والجماعات والكيانات والمؤسسات التي صنفها مجلس الأمن ضمن قوائم خاصة على أنها إرهابية، لافتاً إلى أنه استناداً إلى هذا الفهم القانوني الواضح فإن سورية ترفض بشكل قاطع ما صدر في الجلسة عن رئيس مجموعة العمل المالي الدولية مارشال بيللينغ سيلا من بعض التقييمات المسيسة والمضللة، وأشار إلى أن سورية نفّذت خطة العمل التي وضعتها مجموعة العمل المالي الدولية ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال معالجة أي قصور في أنظمة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأقرت مجموعة العمل المالي بذلك منذ حزيران 2014 حين أعلنت استكمال سورية تنفيذ خطتها على المستوى الفني ومع ذلك أصر بعض أعضاء المجموعة على الإبقاء على اسم سورية في قائمة “تحسين الالتزام المالي العالمي بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. العملية المستمرة” بذريعة أن فريق المجموعة غير قادر على زيارة سورية نتيجة الأوضاع الأمنية مجدداً ترحيب سورية بفريق الخبراء التابع لمجموعة العمل المالي وتوقعها أن يقوم في القريب العاجل بزيارة دمشق للاطلاع على تطبيق الحكومة السورية الكامل للإصلاحات المطلوبة.
وأكد العرسان أن سورية تؤمن بأن التصدي لمختلف وسائل وتقنيات وأدوات تمويل الإرهاب هو بلا شك عامل حاسم وحتمي في القضاء النهائي عليه غير أننا ومع عدد معتبر من الدول الأعضاء لا نزال ننظر بعين القلق والريبة تجاه ما يمكن اعتباره عجزاً أممياً وفشلاً دولياً في مساءلة ومحاسبة الحكومات التي ثبت تورطها المباشر في تمويل وتسليح المجموعات الإرهابية ودعم الارهابيين الأجانب على أراضيها ونشر الفكر المتطرف المؤدي إلى الإرهاب في العالم، مبيناً أن الأمم المتحدة لا تشكو من نقص أو ضعف في النصوص والأدوات القانونية اللازمة للتصدي للإرهاب ومنع تمويله، وذلك على الرغم من أهمية تطوير وتفعيل هذه النصوص والأدوات، وقد اعتمد مجلس الأمن قرارات واضحة في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، ولكن الأزمة تمثلت في انعدام آليات محاسبة الحكومات التي ثبت تورطها في تمويل الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، مشيراً إلى أن قطر وحدها خرقت علناً قرارات مجلس الأمن 2133 و2161 و2253 و2368 حين قدمت أكثر من مليار دولار لتنظيمات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة في سورية والعراق بذريعة دفع فدى لإطلاق سراح مختطفين أجانب، ومع ذلك لم يحرك أحد في الأمم المتحدة ساكناً لتطبيق الإجراءات والمعايير المنصوص عليها في القرارات ذات الصلة التي أدانت وحظرت دفع الفدى للمجموعات الإرهابية.
وقال العرسان: إن سورية خسرت في حربها على إرهاب داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما حياة عشرات الآلاف من أبنائها، وعانى الشعب السوري آلاماً غير مسبوقة نتيجة الإرهاب هذا إلى جانب خسائر اقتصادية مريعة لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتحملها بشكل منفرد، وبذلك يمكن القول: إن سورية هي الشريك الأول والمساهم الأكبر ضمن إطار الأمم المتحدة في الحرب على الإرهاب العالمي ونيابة عن العالم بأسره، ومع ذلك فإنها لم تتلق حتى اليوم أي دعم فني أو مالي ملموس من الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، لا بل تتعرض أيضاً لحصار اقتصادي غير مسبوق تفرضه حكومات دول، إما ساهمت في تمويل هذا الإرهاب أو تغاضت وتسامحت مع مموليه، وأعرب عن أسف سورية لأن البعض في الأمم المتحدة لا يجد غضاضة اليوم في وصف حكومات تمول الإرهاب وتدعمه مثل حكومة قطر بأنها شريك حقيقي للمنظمة الأممية في مجال مكافحة الإرهاب لا لشيء إلا لأن هذه الحكومات تبرعت للأمم المتحدة ببضعة ملايين من الدولارات تحت ذريعة تمويل عملها في مجال مكافحة الإرهاب، هذا في الوقت الذي اعترف فيه رئيس الوزراء السابق لإحدى هذه الحكومات، وأعني تحديداً حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق بأن بلاده أنفقت مئة وسبعة وثلاثين مليار دولار على تمويل وتسليح وتدريب المجموعات الإرهابية في سورية، لافتاً إلى أن مثل هذه الممارسات تجعلنا مستمرين في القلق تجاه التطبيق المهني والمتوازن للمعايير والإجراءات الواردة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويله وتجاه جدية واستقلالية الدور الأممي في التصدي للإرهاب.
من جهة ثانية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمرها الصحفي الأسبوعي: إن القرار 2254 ينص صراحة ودون لبس على وجوب احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها، وهو ما يدل على عدم شرعية احتلال أي جزء من أراضيها، بدءاً من الجولان السوري المحتل، ووصولاً إلى أقصى نقطة في شرق الفرات، ولفتت زاخاروفا إلى أن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها في معظم أرجاء سورية باستثناء بعض البؤر التي تنتشر فيها تنظيمات إرهابية ولا سيما في إدلب والجزيرة السورية وفي جنوب البلاد، وهذا من شأنه زعزعة الوضع مجدداً، موضحة أن هجمات واستفزازات الإرهابيين تتواصل في منطقة خفض التصعيد في إدلب ضد المدنيين والعسكريين.
ولفتت زاخاروفا إلى أن ما يثير القلق بشكل خاص هو استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الإرهابيين في مناطق السقيلبية والرصيف والعزيزية شمال حماة، حيث تم مؤخراً نقل أكثر من 20 شخصاً إلى المستشفيات لمعاناتهم من عوارض تسمم كيميائي، وأشارت إلى أن عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بزعم محاربة تنظيم داعش الإرهابي تتسبب بمعاناة المدنيين الفارين من بطش إرهابيي داعش جراء قصف الأحياء السكنية ولا سيما في منطقة الباغوز بريف دير الزور.
وانتقدت زاخاروفا البيان الصادر عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مؤخراً لتعمد هذه الدول تجاهل التطورات الإيجابية واستقرار الوضع في سورية وتسييس مسألة عودة المهجرين.