فواز الجدوع.. الموت على خشبة المسرح كان مشهده الأخير!
عن عمر ناهز الثلاثة والستين من الوجع والفن، رحل فنان برتبة إنسان من الدرجة الأولى، نعم رحل فواز الجدوع، تاركا خلف ظهره كل مافي الرقة من رقة، موجوع من جرح ينزف هناك، وفرات دمعه لا يكفكف.
خذلته الحياة مرات ومرات، لا المسرح أنصفه ولا التلفزيون ولا السينما ولا حتى الرفاق، فقط الموت هو من أنصفه، حيث رحل بطريقة فنية هادئة كما روحه العذبة، سقط وهو يؤدي مشهده الأخير على خشبة الحياة والفن أمام كبار الفنانين، كان مشهد الموت مكتملا بطريقة غريبة تثير الدهشة، فقد كان الحوار بينه وبين الفنان عابد فهد يدور حول الموت وأهواله (وأنت شو بتعرف عن الموت اااه) وهذا ما جعل موته حكاية وحديث القاصي والداني، وسبقا صحفيا ممتازا، ومادة إعلامية لأغلب المحطات التلفزيونية السورية، وأجزم لو أنه مات في بيته أو بطريقة أخرى بعيدا عن الإعلام لما سمع بموته أبعد من بواب البناية أو حتى أقرب الناس إليه، ولمات ميتة فقيرة باردة لا تليق بأمثال هذا الفنان.
جمعتني بالفنان الراحل خشبة مسرح واحدة، حيث كنا نتقاسم رغيف الفن، والفكر، والوجع، والضحكات، في بروفات لعرض مسرحي كان بصدد الانتهاء ، من إخراج الفنان فايز صبوح، لكن الموت الذي لا قلب له والخطة الخمسية لترميم خشبة المسرح القومي في اللاذقية (والترميم بيد الله..!!) كانا كفيلين بإبعاد الفنان فواز عن إتمام مهمته الفنية تلك، وقد عبّر الجدوع أكثر من مرة بقلب مكسور عن فرحه لحرص المخرج فايز صبوح، على استقطابه بالعمل هو وأغلب الفنانين المهجرين المتواجدين في مدينة اللاذقية، بعد أن هجرتهم الحرب وسرقت بريق عيونهم وأرواحهم، فلم يخطروا في بال المسؤولين ولا حتى الأصدقاء، فاللاذقية لم تكن يوما مبتغاه، ولكنها بمثابة طوق نجاة له ولأسرته، بعد ما ألّم بالرقة من خراب.
قال لي ذات قهر ونحن على خشبة المسرح وأنا أحاول تذكيره ببعض الكلمات التي غابت عن ذاكرته..(والله يا مدام ريم.. أحيانا أصفن لأتذكر اسمي..صعب كتير نكران الحياة.. والله تعبت ما عدنا صغار) وختمها بضحكة ممزوجة بكل ألوان العذاب..
صحيح أن المدة القصيرة التي جمعتنا بالفنان والأخ فواز، لم تأت على مقاس همومنا، ولكنها أرّخت أجمل اللحظات، فمن يعرف هذا الإنسان عن قرب، كأنه عاش معه الحياة وبعض الحياة..
أرقد بسلام وأمان يا صديقي، فالموت أصدق إنباء من الحياة، لروحك الجميلة سلام لا ينتهي.
فواز الجدوع ممثل سوري ولد في مدينة الرقة عام 1956، حصل على شهادة الثانوية وانتسب إلى جامعة حلب لدراسة الحقوق. شارك بأكثر من عمل مسرحي منهم(المهر..درس اللحظات..مشكلة راتب)، عمل في المسرح الجوال وكانت له مشاركات في الأعمال التلفزيونية منها: المهلب بن أبي صفرة-هدوء نسبي-عنترة- أبو زيد الهلالي-الفوارس-خان الحرير-أخوة التراب، وغيرها من الأعمال.
لينا أحمد نبيعة