الإتجار بالنساء تحت عباءة عقود زواج عرفية وبأسماء وهمية أشكال جديدة للعنف ضد المرأة رسختها الأزمة.. وتضاعف عدد الحالات المعروضة أمام القضاء
دمشق – ريم ربيع
بين من ينادي بتشديد عقوبات العنف ضد المرأة وتعديل القوانين بما يضمن لها حقوقها قضائياً، ومن يرى أن القوانين أكثر من جيدة، والعقوبات رادعة وفقاً لحجم الأذى الناتج عن العنف، يبدو أن المرأة ماتزال تشكل “العدو الأول” لنفسها في هذا المجال إما نتيجة العادات والتقاليد المجتمعية والدينية التي تمنعها من المطالبة بحقوقها والشكوى ضد من يعتدي عليها، أو نتيجة الخوف من الحالة المعيشية المتردية وانعدام المأوى في كثير من الحالات. ورغم التأثيرات الخطيرة التي خلفتها الحرب في سورية وتزايد أعداد المعنفات بشكل كبير لايزال اللجوء إلى القضاء آخر ما تفكر فيه المرأة خوفاً من الفضيحة و”طلباً للسترة” حسب تعبير البعض، وفي نظر خبراء قانونيين فإن هذه العوامل زادت من استكانة الزوجة لتفضل احتمال كل أنواع العنف والإيذاء الجسدي -فضلاً عن اللفظي- الذي أصبح من المنسيات أو حتى من المسلمات الغائبة عن حديث العنف..
ولم يتوقف الأمر على الضرب والإيذاء وحسب، بل خلقت الأزمة جواً جديداً -كان محدوداً بدرجة كبيرة قبل 2011- عبر المتاجرة بالنساء واستخدامهن في الدعارة حسب ما يوضحه القاضي مروان القادري رئيس نيابة عامة في دمشق في حديثه لـ”البعث” عبر إشارته لحالات كثيرة يستغل فيها الرجل ضعف المرأة بسبب غياب المأوى والدخل، ويستدرجها للعمل في الدعارة، كما لجأ الكثير منهم لتشغيل النساء خارج البلاد ولاسيما لبنان، الأمر الذي يعاقب عليه القانون بالسجن بما لا يقل عن 7 سنوات وغرامة 1-3 ملايين ليرة، مضيفاً أن البعض يستدرج المرأة للزواج منها قبل تشغيلها، وهنا تزداد العقوبة إذا كان الزوج هو المشغل بالسجن من 10- 22 سنة، وتضاعف الغرامة المالية حسب المرسوم 3 لعام 2010.
وبيّن القادري أن عدد الحالات المشابهة المعروضة للقضاء سنوياً تقارب 100 حالة في دمشق فقط، إلا أن الكثير من المشغلين يكونون قد غادروا البلاد مسبقاً، فيما ظهرت إشكالية كبيرة ناتجة عن أن معظم عقود الزواج هذه تكون عرفية أو باسم وهمي للزوج؛ ما يصعب مهمة ملاحقته قضائياً، مضيفاً أن قلائل من النساء من يتوجهن للقضاء حيث تحولت الضحية في كثير من الحالات إلى مجرمة وبدأت العمل بمفردها، وهنا تعاقب المرأة وفقاً لعقوبة الدعارة السرية بعد أن كانت تعامل معاملة الضحية فلا تعاقب أبداً، بل تمنح حقاً بالمعالجة النفسية والاجتماعية.
وفي الوقت الذي اعترض الكثير من الخبراء القانونيين على عدم تعديل أي مادة بما يتعلق بالعنف الأسري في التعديلات الأخيرة لقانون الأحوال الشخصية يلفت القادري إلى أن قانون العقوبات عدل الكثير من المواد لمصلحة المرأة قبل تعديلات الأحوال الشخصية، سواء بما يتعلق بجرائم الشرف التي باتت عقوبتها 5-7 في حال القتل بعد أن كانت بلا عقوبة، أو حتى عقوبة جرائم الاعتداء المحددة بالسجن سنتين على الأقل، أما بما يتعلق بالعنف فإن النوع الأول المتمثل بالعنف العادي المرتكب ضد الزوجة أو غيرها، كالإيذاء والضرب تكون عقوبته بين10 أيام لـ6 أشهر تشدد حسب التعطيل عن العمل، وهنا يشكل التقرير الطبي المعيار الأساس، ففي حال التعطيل لحد 10 أيام تكون العقوبة 6 أشهر، وبين 10-20 يوماً يعاقب بالسجن حتى السنة، والتعطيل فوق 20 يوماً تكون العقوبة 3 سنوات، وإذا نتج عن الضرب عاهة تصبح العقوبة جنائية من 3- 5 سنوات، أما في العنف المؤدي للإجهاض يعاقب الزوج أو من تسبب بالإجهاض بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل، وفي حال الموت الناتج عن الإجهاض لا تقل العقوبة عن 10 سنوات، ما يعتبره القادري عقوبة شديدة مقارنة بعقوبة القتل غير العمد التي عادة ما تكون 5 سنوات، بينما في هذه الحالة قد تشدد لحد الـ15 سنة.
ويرى القادري أن تشديد العقوبات قد لا يلاقي القبول الاجتماعي المطلوب؛ لأن كثيراً من النساء يتراجعن عن الدعوى بعد مضي فترة قصيرة ويسقطن حقهن، وهنا يخلى سبيل المتهم إذا كان الإيذاء بسيطاً –وهي الحالة الغالبة على الدعاوى- مشيراً إلى أن عدد حالات العنف الأسري المعروضة أمام القضاء قبل الأزمة كانت حوالي 400 حالة سنوياً في دمشق، بينما تضاعف الرقم بعد الأزمة ليتجاوز 800 حالة سنوياً، في الوقت الذي يؤكد فيه القادري أن الواقع يضم عدداً أكبر من هذا الرقم بكثير، بينما تظهر معظم الحالات عبر دعاوى التفريق “الكثيرة” في القضاء الشرعي إذ تتجه معظم النساء للتفريق بدلاً من العقوبة.