أخبارصحيفة البعث

خيار الحرب الباردة لم يعُد وارداً

 

 

مَن يحدّد طبيعة الحروب في هذا العالم؟ ومن الذي ينبغي عليه أن يفكّر جيداً قبل الشروع بإشعال أي حرب في هذه الظروف الدولية الصعبة؟ وهل ينحدر العالم إلى هذا الاحتمال؟.
يدرك الجميع أن مجرّد التفكير حالياً باندلاع حرب بين القطبية الأمريكية من جهة والقطبية الروسية – الصينية من جهة أخرى، يثير كمّاً هائلاً من الرعب والخوف في نفوس سكان العالم، ذلك أن مثل هذه الحرب لو اندلعت لن تتوقّف نتائجها المدمّرة عند حدود هذه الدول، لأن البقعة الجغرافية التي تحتلها هذه الدول أصلاً تؤثر في كل العالم، الشمالي والجنوبي، ولم يعُد هناك فرق بين اندلاع مثل هذه الحرب في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية، لأن الصين على سبيل المثال هي شبه قارة من حيث المساحة والنفوذ، وكذلك الولايات المتحدة، وذلك طبعاً ينسحب على روسيا، التي لم تعُد محصورة في حدود جغرافيتها الواسعة أصلاً، بل انتقلت بتحالفاتها لتؤثّر في كل بقاع العالم.
وبما أن المشهد العالمي يوحي بتشكّل نظام عالمي جديد يختلف عن نظام القطب الواحد، الذي كان سائداً في السابق، فإن تبدّل التحالفات سيكون السمة البارزة فيه، حيث بدأت مجموعة من الدول المؤثرة تنسج تحالفات جديدة مختلفة تماماً عن السابق، وهذا ينسحب على جميع القارات والتحالفات القائمة سابقاً، فالاتحاد الأوروبي مثلاً لم يعُد قالباً مثالياً لهذه التحالفات، وكذلك الحلف الذي يربط أغلب دوله “ناتو”.
لذلك لا بدّ من التفكير جيداً في طبيعة العلاقات التي تحكم الدول الكبرى في هذا العالم الجديد الذي نشأ بشكل حتمي بعد تبدّل موازين القوى في العالم، فالاقتصاد الأمريكي لم يعُد قادراً على قيادة اقتصادات العالم أو التحكّم بها، بعد أن خرجت ريادة المال والأعمال من يد واشنطن إلى بكين، وكذلك لم تعُد واشنطن تمتلك تلك القوة العسكرية التي تؤهلها لفرض معادلاتها على العالم بعد خروج التنين الصيني من قمقمه، وانتفاض الاتحاد الروسي من جديد كقوة عسكرية واقتصادية لا يُستهان بها، وصاحب حصة في سوق السلاح العالمي، وهذا ما يثير قلق الإدارات الأمريكية المتلاحقة، ويدفعها إلى محاولة ابتكار أساليب جديدة لمنع هذين الاقتصادين من أخذ مكانهما في العالم.
في القرن الماضي كان الحل بالنسبة لواشنطن يتمثّل في شنّ حرب باردة تمكّنت من خلالها في المحصلة من إضعاف الاتحاد السوفييتي السابق وصولاً إلى تفكيكه، والآن تحاول واشنطن تقليب أوجه الأمور، وقد حاولت طبعاً الدخول من باب الحرب الباردة ذاتها، ولكنها أدركت مؤخراً أنها لا تستطيع في هذا التوقيت أن تتحمّل تبعات حرب باردة جديدة، وخاصة أن حلفاءها السابقين الذين ساعدوها آنذاك ليسوا بالقوة ذاتها الآن، كما أن عدوّها سواء أكان روسيا أم الصين بات مستعداً تماماً لمواجهة هذا النوع من الحروب والانتصار فيها، فهل تنتقل واشنطن من الحرب الباردة إلى أخرى أكثر سخونة تكون مؤشراً على انهيار نهائي للتفوّق الأمريكي؟.
بين التعقل والتهوّر شعرة صغيرة، لن يحاول الأمريكي أن يقطعها إلا إذا أدرك أنه ذاهب إلى النتيجة ذاتها، وبالتالي يكون قد دقّ المسمار الأخير في نعشه.
طلال الزعبي