بين الاستدامة والاستثمار الغابات.. موارد إنتاجية غير مستثمرة ومشروعات تنموية تنتظر التنفيذ
تفرض الأرقام المتداولة عن الاستثمار المستدام للنواتج الحراجية في غابات اللاذقية، ولاسيما النواتج غير الخشبية، والخدمات البيئية، والبرامج الوقائية الحراجية، ضرورة التوقف ملياً عند أولوية استثمارية لاتزال مختزنة، إذ لم تكن غائبة حراجياً في المدى الزمني الطويل قياساً بما تحقق في هذا المجال على المدى القريب إذا ما قورن بالحجم التراكمي المنجز استثمارياً في نطاق حراجي واسع يغطي قرابة ثلث محافظة اللاذقية، ما يعني أن المعوّل على غاباتنا إنتاجياً واستثمارياً وسياحياً أكبر بكثير جداً من واقع الحال الراهن من الجانب الإنتاجي للموارد بأشكالها المختلفة التي تتخطى إنتاج الخشب من حيث الأهمية الاقتصادية لتصل وتتسع حالياً إلى أهمية الاعتماد على المنتجات غير الخشبية، والوظائف الوقائية، والخدمات البيئية التي يتم رفد الغابات بها، وذلك من خلال الإدارة الحراجية المستدامة.
منتجات تصديرية
يشير مدير زراعة اللاذقية المهندس منذر خيربك إلى أن الحصيلة الإنتاجية التراكمية لأعمال تربية وتنمية الغابات من الأخشاب وصلت خلال العام الماضي إلى كمية قدرها نحو 1320 طناً من الأخشاب الصناعية، و134 طناً من أخشاب الوقيد، إضافة إلى كميات الأخشاب الناتجة عن الحرائق الحراجية في السنوات الأخيرة التي قدرت بنحو40 ألف طن، مبيّناً أن من بين أهم المنتجات غير الخشبية المستخلصة من الغابات، النباتات الطبية والعطرية، وهذه النباتات موجودة بشكل طبيعي في غاباتنا، ويمكن العمل على التوسع بنشر زراعتها ضمن المشروعات الأسرية في مناطق الهضاب ذات الحيازات الصغيرة، والمناطق محدودة موارد التربة والمياه، كون هذه النباتات من الأنواع والأصناف المحلية البرية والمتأقلمة والمرنة، لاسيما أنها نباتات يتزايد الطلب المحلي والعالمي عليها، وبالأخص النباتات الطبية الخام، والمستخلصات، وأوضح خيربك أنه تم حصر أكثر من 600 نوع من النباتات الطبية والعطرية من خلال لجنة علمية مشتركة من مديرية زراعة اللاذقية، وهيئة البحوث العلمية الزراعية، وجامعة تشرين، حيث تشكّل هذه النباتات الطبية والعطرية ثروة سياحية، إضافة إلى كونها المادة الأولية لكثير من الصناعات الدوائية والعطرية، وغيرها، وبيّن خيربك أنه تم تصدير كميات من هذه الأنواع النباتية إلى دول العالم، وقد بلغت الصادرات خلال العام الماضي من بعض الأنواع النباتية الطبية والعطرية الكميات الآتية: ورق الغار 4197 طناً تم تصديرها إلى 7 دول، وحبة البركة 7979 طناً إلى 21 دولة، واليانسون 5880 طناً تم تصديرها إلى 27 دولة، وكمية 17311 طناً من الكمون الحب إلى 31 دولة، وورق زعتر 360 طناً إلى 5 دول، و152 طناً من نبات السمّاق تم تصديرها إلى 4 دول، و440 طن عرقسوس إلى 10 دول، وتصدير كمية 2172 طناً من نبات القبار إلى 6 دول، و2,6 طن ميرمية إلى دولتين، و2,7 طن بطم إلى دولة واحدة، وكمية 31,5 طن عصفر إلى 4 دول، و25,6 طن شمرا إلى دولتين، و513 طناً من نبات المحلب إلى 8 دول.
دور استثماري مرتقب
يؤكد م. خيربك أنه يمكن لقطاع الحراج أن يلعب دوراً هاماً بالاستثمار في مجال السياحة البيئية، حيث هناك مقومات لهذا الاستثمار، علماً أن قانون الحراج الجديد رقم /6/ لعام 2018 أعطى الأهمية الأولى للسياحة البيئية التي عرّفها بأنها سياحة التمتع الملتزم بالطبيعة ومكوناتها، وهي السياحة التي تتم دون الإخلال بالنظام البيئي، وتكمن أهمية السياحة البيئية، بحسب المهندس خيربك، في كونها تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية البيئة والغابة، وتعميق مفهوم الاستثمار المستدام للغطاء الحراجي، وتوظيف الناحية البيئية ضمن النظام السياحي الوطني، ومشروعات السياحة البيئية تعمل وفق النظام الوطني للسياحة البيئية في الحراج، والمتضمن اشتراطات البيئة وأنشطتها، والمعايير الطبيعية، والمؤشرات الداعمة لهذه المشروعات، وهي تشمل أنشطة عديدة منها: التخييم، المطاعم البيئية، النزل البيئي، المسار البيئي.. إلخ.
لا تعارض
ويؤكد خيربك أنه لا يوجد على الإطلاق أي تعارض ما بين الاستثمار المدروس وتحقيق الاستدامة، وإنما في الواقع العكس هو الصحيح، فدون تحقيق مبدأ الاستدامة سيعاني الإنتاج الزراعي حالياً ومستقبلاً، ومما يشجّع السياحة البيئية في غابات اللاذقية مدى انتشارها الواسع، إذ تبلغ مساحة الحراج في محافظة اللاذقية /85257/ هكتاراً، وتشكّل نسبة 37% من المساحة الإجمالية للمحافظة البالغة /229689/ هكتاراً، إضافة إلى مساحة من المروج والمراعي قدرها 1422 هكتاراً.
دور محوري
وفي متابعتنا للموضوع في دائرة الغابات والحراج في مديرية زراعة اللاذقية، أكد المهندس باسم دوبا رئيس الدائرة أن المحميات البيئية تساهم بشكل كبير وأساسي في السياحة البيئية، وهذا ما تم العمل عليه في محمية الفرلق الطبيعية، حيث تم وضع خطة مدروسة لإدارة الزوار، وتجهيز البنى التحتية الخاصة بالسياحة البيئية من أكشاك، ومقاعد خشبية، ومواقد حجرية، ومرافق صحية، كما تم إحداث مراكز لتسويق منتجات المجتمع المحلي المجاور للمحمية خلال الفترة الماضية، أما الواقع الحالي للمحمية فيصفه دوبا بالجيد من حيث الغطاء النباتي، رغم أن المحمية تعرّضت لاعتداء سافر من المجموعات الإرهابية المسلّحة التي استهدفت بنيران إرهابها الجهة الشمالية والجنوبية، أما نواة المحمية، ومركزها، ومناطق السياحة البيئية، فلم تتعرّض لأي حريق، ويبيّن دوبا أن المحمية غنية بمنتجاتها المتنوعة، والمواقع المؤهلة للسياحة البيئية، والينابيع، ومجاري المياه، وهي منطقة غنية بالنباتات الطبية والعطرية، وهي مصدر وقيد من نواتج الغابة، كما أن منتجات المجتمع المحلي للمحمية غنية ومتنوعة من الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني من أشجار مثمرة، ومحاصيل زراعية، وأبقار، وأغنام، ودواجن، ومناحل، وأوضح أن كل المشروعات التنموية والاقتصادية التي تم إطلاقها في المحمية تم توظيفها واستثمارها وتنفيذها بما يدعم بيئة المحمية، وتنوعها الحيوي، حيث يسهم تصنيع أي منتج وتسويقه بشكل كبير في حماية التنوع الحيوي.
الاستثمار المستدام قيمة مضافة
وفي موازاة الاهتمام بمواقع السياحة البيئية والتنمية المستدامة فإن حلقات عدة يجري العمل عليها في مجال دعم الطابع الإنتاجي الاستثماري المدروس للغطاء الحراجي، حيث يوضح المهندس دوبا أن تكريس القيمة الطبيعية البيئية للغابات لها أولوية الأولويات في جميع الخطط والبرامج والإجراءات، ومن ثم يجري العمل وفق هذا الإطار بكل مؤشراته واشتراطاته على القيمة المضافة، وهذه القيمة تتمثّل في الاستخدام التنموي المستدام للغطاء الحراجي بما يدعم حفظ التنوع الحيوي، ومن هنا كان التوجه نحو الأصناف الحراجية الإنتاجية من خلال التركيز في خطة التحريج على التحوّل، والانتقال بشكل أوسع إلى الأصناف الحراجية ذات الفائدة الاقتصادية، والإنتاجية، والغذائية، والرحيقية، والعلفية، ومنها أصناف ذات مواصفات تصديرية كالغار المعروف بقابليته التصديرية، وشدة الطلب عليه في الأسواق الخارجية لما له من فوائد متعددة، إضافة إلى أن تصديره يعود بالقطع الأجنبي، لأن الغار السوري مطلوب على نحو واسع عالمياً، ومن هنا جاء التوجّه نحو التوسع بزراعته في خطة التحريج والتشجير الموسمية، وهناك أيضاً صنف الخرنوب، وهو نبات ذو قيمة غذائية عالية، كما أنه نبات مقاوم للحرارة والحرائق، وينتمي إلى العائلة البقولية المخصبة للتربة، إضافة لكونه من الأزهار الرحيقية التي تساعد على تربية النحل وإنتاج العسل، وأشار دوبا إلى أنه تم أيضاً التوسع بزراعة صنف الصنوبر الثمري المعروف ببذوره الاقتصادية مرتفعة القيمة، وهو مادة نباتية استراتيجية معروفة ومطلوبة عالمياً، وإنتاجه تصديري، ولذلك تم التوسع بزراعة هذا الصنف بالتوازي مع زراعة الروبينيا، والصنوبر البروتي، والكناري.
التوسع النوعي والكمي
وأوضح دوبا أن الأصناف المنتجة من الغراس الحراجية تشمل 26 صنفاً متنوعاً تنتجها 5 مشاتل حراجية تتبع لمديرية زراعة اللاذقية، مؤكداً أن لدى المديرية أولوية تعمل عليها تستهدف تشجيع التشجير في أوساط وشرائح المجتمع، وإدخال الغراس الحراجية في النظم الزراعية، وتمكين المزارع والمواطن من الحصول على الغراس بسعر تشجيعي ومخفّض بهدف تحقيق التوسع المستمر في الغطاء الحراجي الأخضر، وتكريس ثقافة أهمية الحفاظ على الثروة الحراجية، وتأخذ خطة التوسع النوعي والكمي بزراعة النباتات الطبية والعطرية حيزاً واسعاً من مشروعات تطوير وتنمية الثروة الحراجية في محافظة اللاذقية.
مصادر تنموية وتشغيلية
وفي هذا السياق يؤكد المهندس دوبا أن العمل المنفّذ حالياً متعدد المحاور والإجراءات التي تتلاقى كلها عند تحقيق التوسع بزراعة وإنتاج النباتات الطبية والعطرية ليتسنى تحويلها إلى مصادر تنموية وتشغيلية، مشيراً إلى وضع برنامج عمل متكامل لتطوير زراعة واستثمار النباتات الطبية والعطرية، وتحديد الأنواع النباتية ذات الخصائص الطبية والعطرية المنتشرة في الساحل السوري، وإعداد أطلس يتضمن هذه الأنواع تبعاً لأهميتها البيئية والاقتصادية، وربط كافة البيانات مكانياً على خرائط التنمية في المحافظة، وأوضح المهندس دوبا أنه تم اختيار الأنواع النباتية الأكثر أهمية لتوجيه الاستثمارات الزراعية باتجاهها، وإعداد برنامج زمني لإنجاز الأعمال الفنية والبحثية، كما تم الانتهاء من إحداث مشتل متخصص لإنتاج النباتات الطبية والعطرية في قرية بسّين التابعة لمنطقة القرداحة، حيث من المخطط توزيع الشتول قريباً، وتشمل الأصناف: الزعتر بنوعيه، والميرمية، والخزامى، وإكليل الجبل، والمردقوش، كما تم إنشاء وتأسيس زراعة حقل أمهات للأنواع سابقة الذكر في مشتل حراج الهنادي، وذلك بهدف الحصول على البذور والعقل اللازمة لإنتاج الشتول من النباتات الطبية والعطرية في مشتل بسّين، ويعتبر هذا الحقل النوعي حقلاً إرشادياً وعلمياً وبحثياً، وهو جزء مهم في تفعيل مشروع النباتات الطبية والعطرية، ووضعه قيد التنفيذ على الأرض، ليصار قريباً إلى التوسع في هذه الزراعة النوعية، حيث تم تخصيص مساحة 350 هكتاراً لإنشاء حديقة نباتية في موقع بللوران، وتنفيذ الخارطة الخاصة به.
نواة لمشروع وطني
وأشار المهندس دوبا إلى أن هذه الأنواع الطبية والعطرية يتم التخطيط المكثف لتوسيع قاعدة إنتاجها تخصصياً وتشاركياً بوصفها ثروة سياحية، بالإضافة إلى كونها المادة الأولية لكثير من الصناعات الدوائية والعطرية، وغيرها، بما يجعل هذا البرنامج التطويري يشكّل نواة لمشروع وطني لإنتاج النباتات الطبية والعطرية التي تساهم في استثمار الموارد الطبيعية والبشرية بما ينسجم مع احتياجات خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
مروان حويجة