ثقافةصحيفة البعث

“يلا سينما” يحتفي بفيلم دمشق –حلب

 

 

احتفى مشروع “يلا سينما” بإشراف المخرج المهند كلثوم وبالتعاون بين مدارس أبناء وبنات الشهداء مع المؤسسة العامة للسينما بعرض فيلم “دمشق –حلب” بتوقيع المبدع باسل الخطيب سيناريو تليد الخطيب- موسيقا سمير كويفاتي وبحضور بطل الفيلم الفنان دريد لحام في سينما كندي دمشق.
وبيّن المهند كلثوم أن عرض الأفلام للطلاب أبناء الشهداء هو جزء من مشروعه السينمائي، لتنشئة أجيال تعي مفاهيم الفنّ السابع وتؤسس لقاعدة سينمائية.
وتحدث الفنان دريد لحام عن تضحية الشهداء فداء للوطن مثمناً قداسة وقيم الشهادة، والشهداء الذين جعلوا أرض سورية مقدسة بدمائهم فأنبتت شقائق النعمان التي كانت حاضرة في طريق دمشق- حلب، ليغني لسورية العظيمة”لو لالي الله محي سواعدنا يا بلادنا المعمورة” الأغنية التي امتدت في الفيلم بصوته في الطريق المزروع بالألغام الذي يفصل بين عيسى –دريد لحام- وابنته دينا- كندة حنا- برمزية إلى سورية العظيمة التي تحتضن أبناءَها الذين رفضوا أن يغادروها، ليختزل باسل الخطيب فيلمه الذي وثّق جزءاً من الحرب الإرهابية على سورية وارتبط بالحدث الأكبر بتحرير حلب، منطلقاً من العملية الإرهابية التي طالت الأبرياء في القصر العدلي وكان من ضحاياها أصدقاء العمر لعيسى والشابة هبة ابنة صديقه المتوفى وخطيبها، من المقبرة التي ضمت الأشخاص الذين أحبهم عيسى إلى رحلة (البولمان) من دمشق إلى حلب.

البعد القومي
من هنا بدأت قصة الفيلم التي كان الحامل الأساسي فيها الفنان دريد لحام بأدائه الإنساني، عيسى الذي رمز إلى الهوية السورية والأصالة والتاريخ الإعلامي والثقافة الملتزمة في زمن التشويه الثقافي واللغوي، كما مثّل عيسى البعد القومي والدور العروبي الذي تتصف به سورية من مخاطبته جماهير الأمة العربية من إذاعة صوت الشعب”هنا القاهرة من دمشق- هنا الجزائر- هنا بغداد- هنا القدس- هنا سورية من دمشق” لترتبط هذه الأبعاد القومية بالتلاحم الوطني وبالتعاون بين ركاب الحافلة القادمين من شرائح وأطياف مختلفة كونوا جميعاً صورة مصغرة عن المجتمع السوري المتوحد في مواجهة المؤامرة الدولية.
ومن خلال المشاهد المنسوجة بحبكة محكمة تشدّ المتلقي وتثير في ذاته الضحك والبكاء في آن واحد لم يبالغ الخطيب بالتطرق إلى مجريات الحرب الإرهابية من حيث القتل والخطف والدمار وهجرة الشباب واليأس الذي أصاب المسنين الذين سافر أولادهم، ليدخل بتقنية التضمين إلى حيثيات المجتمع وثقافتنا المعاصرة التي ارتبط جزء منها بالرقي وجزء منها انحدر مع التشويه، من خلال لورا المغنية بالفرقة السيمفونية التي تشير إلى الثقافة الكلاسيكية، إلى جلال الإعلامي بإحدى إذاعات الـ”اف أم” الذي يتواصل مع جمهوره بلغة العصر المشوهة بألفاظ يكررها الشباب “واو”، إلى اعتزاز –نظلي الرواس- الشابة الجميلة التي ترفض اسمها وتدمج بحديثها بين اللغتين العربية والإنكليزية وتهتم بأطفال التوحد، إلى العميد الذي اشترك بالعمليات العسكرية وفقد ساقه وآخرين.

الاستباق والتضمين
اعتمد المخرج الخطيب على الاستباق ومن ثم الاسترجاع بدلالات بدت غريبة لكن في نهاية الفيلم أوضح دلالاتها مثل نبتة التوليب السوداء التي تحملها الفنانة صباح جزائري بأدائها الوجداني الساحر، والحلم المتكرر الذي يراود دينا-كندة حنا- بعدم تمكن والدها من فتح الباب، لتبقى حلب أنشودة انتصار سورية شاهدة على التاريخ لحظة وصول الحافلة إلى مشارفها وتمرير الكاميرا من الأعلى لهذه المدينة التاريخية المبهرة مدينة الموشحات والأصالة الموسيقية بشوارعها وقلعتها وآثارها التي خرّبها الإرهابيون، لكنها تحدت الدمار بإرادة الحياة كما قال عيسى”الحياة إرادة والنصر إرادة” الأحداث المؤثرة تلاقت بالفيلم لتكتمل نحو النهاية ففي ساعات الصباح الأولى بعد بزوغ ضوء الفجر وعلى وقع هتون الأمطار الخفيفة تمر السيارة التي تقل عيسى وجلال واعتزاز ولورا من أمام المطعم الصامد داخل الشارع المنكوب والأبنية المتهدمة، تعلو الزغاريد إشارة إلى الصمود والمتابعة والاستمرارية بانبعاث حياة جديدة من قلب الموت الذي خرج منه المدعوون يودعون العروسين، اللذين كانا مع الركاب وحينما حدث عطل بالحافلة اقترح عيسى أن يوقفوا سيارة تقلهما إلى حلب للوصول في الموعد المحدد لحفل زفافهما بمساعدة الركاب، إلى المشفى الذي استقبل رفاه في أيامها الأخيرة لنكتشف سر تكرارها جملة “آخر زيارة” واعترافها للركاب بعد أن صممت على مغادرة الحافلة والعودة إلى الحافلة القديمة لتحضر أشياءَها التي هي كفنها الذي طرزته بيدها بأنها مصابة بالسرطان وأوقفت الكيماوي، إلى اللقاء الحميمي بين الأب وابنته الذي لم يحدث لولا مساعدة الجيش العربي السوري ممثلاً بالجندي الذي حرس الحارة المغلقة وقدم المساعدات لدينا.

الحب الخفي
اللافت بالفيلم هو الحب الخفي الذي يمثل سر العلاقات الوجدانية الإنسانية التي تربط بالخفاء بين أشخاص لايلتقون إلا بالمصادفة، فيعيشون بلحظة الحب الذي سكنهم سنوات بخيالهم فقط، حينما اعترفت رفاه لعيسى بأنها كانت تحب صوته وكلماته وتحتفظ بصورته وحينما رأته تذكرت صورته التي ضاعت بعد سنوات.
والحب الخفي الذي يكنّه عيسى لصديقته بالجامعة هدى- سلمى المصري- لكنه لم يستطع أن يبوح به، حتى حينما زارها في الوقت المستقطع الذي توقفت خلاله الحافلة وقرأ اسم ضيعتها.

يا رايحين ع حلب
ويمضي بنا الخطيب ودريد لحام بعوالم ساحرة جمعت بين الحب والحرب، وأنهى رسالته بالتواصل بين المسنين والشباب لمتابعة مسيرة الحياة حينما قال عيسى لجلال”إذا كانت موضوعات الطاقة والأبراج ووسائل التواصل الاجتماعي توحد الناس وتدخل إلى قلوبهم الفرح فهذا يعني أنها هامة وأنا أقبلها” لينتهي الفيلم بأغنية حلب “يارايحين ع حلب”.
ملده شويكاني