البعث مسار نضال طويل
تحيي جماهير البعث في السابع من نيسان الذكرى الثانية والسبعين لميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي، أول تنظيم سياسي رفع شعار الوحدة العربية، مقترناً بالحرية والعدالة الاجتماعية على امتداد الساحة العربية، معبّراً بذلك عن طموحات وأماني الجماهير الواسعة في تحقيق المستقبل الذي تنشده، وسعت وناضلت وضحّت من أجل تحقيقه أجيال متلاحقة على مر التاريخ.
لقد كانت ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي بداية مسار منظّم للفكرة القومية العربية، وخريطة طريق لمسار حركة التحرّر العربية، والمنارة التي اهتدت بها التيارات القومية العربية على امتداد الساحة العربية، لأن البعث منذ ولادته، عام سبعة وأربعين وتسعمئة وألف، كان قضية وفلسفة قومية وحالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة، وهو ما جعله يمتد رحيباً في الساحة العربية، ويضم في صفوفه الملايين من المنتسبين إليه، والمناضلين في سبيل تحقيق أهدافه النبيلة.
إن استعراضاً موضوعياً وقراءة متأنية لتاريخ الحزب منذ بدايات تأسيسه وحتى الآن تجعل القارئ المحايد، بعيداً عن أي عصاب سياسي أو أيديولوجي، يضع الحزب في مقدمة الحركات والتنظيمات السياسية التي استطاعت أن تحقق الكثير من أهدافها، وأن تواكب التطوّرات التي أصابت الفكر السياسي العالمي، على الرغم من ضخامة وجسامة التحديات التي واجهت الحزب، سواء كان خارج السلطة أو داخلها، وهذا يعكس حقيقة امتلاكه لفكر مرن ومتجدّد، وقدرة عالية على الاستجابة النوعية للتطوّرات التي أصابت بنية المجتمع العربي، وطبيعة التحديات التي واجهته عبر مسار تاريخي فيه من المعوقات والمنغصات والخيبات بقدر ما فيه الكثير من الإنجازات والنجاحات والانتصارات.
لقد استطاع الحزب- من خلال امتلاكه قاعدة جماهيرية واسعة في أكثر من قطر عربي، وخاصة في سورية، منطلق فكره وتأسيسه، إضافة لحمله رسالة حضارية، سيما وقد توفّرت له قيادة تاريخية ممثلة بالقائد المؤسس حافظ الأسد أن يواجه قوى استعمارية ومشاريع عدوانية وتيارت وتنظيمات رجعية مرتبطة بالقوى الخارجية ومتموضعة في استراتيجياتها، ويهزمها وينتصر عليها، ما وضعه في مقدمة فصائل الثورة العربية، ويجعل من سورية عنواناً للعروبة، ودمشق قلبها النابض وعقلها المفكر، ومن الشعب السوري العظيم القدوة والأمثولة في المقاومة والنضال والكرامة الوطنية.
ولقد تعاظم الدور الجماهيري للحزب بشكل كبير بعد قيام ثورة الثامن من آذار في قطرنا العربي السوري، وتعزّزت إنجازاته على كافة الصعد الداخلية والخارجية، وتمكّنت سورية- بفضل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد وخطاب التطوير والتحديث الذي انتهجه، وشكّل إضافات هامة إلى إنجازات الحزب، واستمرار الخط المقاوم للعدو الصهيوني، ومواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف الأمة العربية- أن تحقّق نجاحات هامة على هذا الصعيد وغيره، ما جعلها، وطناً وحزباً وقيادة، في دائرة الاستهداف من قوى استعمارية ومن تحالف معهما، من تيارات رجعية وظلامية، في أكثر من مكان على الساحة العربية، ولعل ما يؤكّد ذلك هو تلك المؤامرة الكبرى التي يتعرّض لها وطننا الغالي سورية منذ أكثر من ثماني سنوات، حيث تتكالب تلك القوى، وبشكل غير مسبوق بهدف إسقاط تلك القلعة المقاومة، وإخماد شعلتها القومية التي تشكّل نبراساً لكل الشرفاء والمناضلين على امتداد الساحة العربية.
تنبئنا دروس التاريخ، بما فيها من عبر ودلالات، أن لا عودة للوراء في مسار الأمم والشعوب الحية، وأن الحياة حركة باتجاه المستقبل، فلا تراجع أو حركة التفافية في المكان. هذه الحقيقة التاريخية لم ولن يستوعبها أولئك المنخرطون في المؤامرة الدولية الكبرى على سورية وشعبها، لقصور في رؤيتهم، وحالة سياسية جنينية يعيشونها، ولا يستطيعون الخروج منها، ومن هنا يأتي إيماننا وقناعتنا بأن النصر والنجاح في القضاء على المؤامرة والخروج من الأزمة هو حاصل لا محالة مهما حاول أولئك اللاهثون وراء السراب إشاعته من أكاذيب، ورفعه من شعارات كاذبة وخادعة، واستعانوا به من قوى غاشمة تحمل في مخيلتنا وذاكرتنا الجماعية صورة العدو.
إن الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي تمثّل بالنسبة لنا، ولكل الشرفاء على امتداد الساحة العربية، مناسبة قومية ووطنية تعطينا المزيد من القوة والثقة بالنفس، والإصرار والعزيمة على إلحاق الهزيمة، ليس فقط بالمؤامرة والمتآمرين، وإنما بالثقة بالنصر والنجاح في تحقيق الأهداف التي آمنا بها جميعاً، وهي الوحدة العربية والحرية والعدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي.
د. خلف المفتاح