تحقيقاتصحيفة البعث

المقاصف الجامعية عشوائية في الأسعار ومزاجية في العمل ورقابة خجولة..وخلل في العقود الاستثمارية

لا تتوقف الحياة الجامعية عند حضور المحاضرات والدروس العملية، بل تتجاوزها لتكوين علاقات اجتماعية مميزة يحرص الطلاب على بنائها  في مرحلة دراستهم، وتعتبر المقاصف الجامعية أحد أهم الأماكن التي يعتمد عليها طلاب الجامعة لتكوين وممارسة حياة جامعية نشيطة، حيث تقوم إدارة كل جامعة بتوفير تلك الأماكن لتكون متنفساً ومكاناً يلائم الطلاب من حيث الأسعار، والخدمات المناسبة لأوضاع وإمكانيات الطلاب الذين يعتمد معظمهم على أهلهم في الحصول على مصروفهم الجامعي، ولذلك  يتمنى غالبية الطلاب أن تكون المقاصف الجامعية في كلياتهم عوناً لهم، ومتنفساً لقضاء أوقات مريحة في كلياتهم.

مقاصف بأسعار خمس نجوم!

خلال جولتنا في العديد من المقاصف الجامعية كالطب، والصيدلة، والصحافة، التقينا بعدد من الطلاب، حيث تحدثت ريما، طالبة في كلية الطب البشري سنة خامسة، عن معاناتها وزملائها من الخدمات التي يقدمها مقصف كلية الطب البشري الذي باتت تتردد كثيراً في الدخول إليه بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني الذي لا يتناسب مع وضعهم كطلاب جامعيين، قائلة: هل من المعقول أن يصل سعر وجبة الطعام فيه إلى ألف وأربعمئة ليرة سورية؟! نحن كطلاب الكليات التطبيقية نقضي ساعات طويلة في الكلية، ونضطر في كثير من الأحيان مرغمين لشراء بعض المشروبات الساخنة أو الباردة، أو أي شيء للطعام، ولا نملك الوقت الكافي للخروج وتناول وجبة سريعة خارج الكلية، لذلك نلاحظ استغلال العاملين في تلك المقاصف لوضعنا، مضيفة: حتى إذا أردنا شراء بعض المعجنات التي تسد رمق جوعنا لا يكفي مبلغ سبعمئة ليرة سورية لشراء ثلاث قطع من المعجنات على الصاج، والتي لا تتجاوز سماكة الواحدة منها السنتيمتر مدهونة بالقليل من الجبنة التي بالكاد نشعر بمذاقها، حيث يبلغ سعر القطعة الواحدة مئتين أو مئتين وخمسين ليرة، لا يمكن أن تشبع  طفلاً لم يتجاوز الرابعة من عمره، فما بالك بطالب جامعي يقضي ساعات نهاره بين محاضرات عملية ونظرية، من الطبيعي أن يحتاج لوجبة دسمة ليجدد نشاطه، وليكون قادراً على إنهاء يوم دراسي طويل متعب ومرهق، ولم نتحدث بعد عن الحمامات التي غالباً ما تكون مغلقة، وعن روائح الزيت والدخان التي “تطبع” على ثيابك، والضجة غير المحتملة، وسوء التهوية، فوجود المقصف في قبو يزيد الوضع سوءاً، أما سمر وسارة، طالبتا الصيدلة سنة أولى، فتقولان: نحن في السنة التحضيرية، في بداية العام كنا نحب كثيراً أن نجلس في مقصف كلية الصيدلة، معتقدتين أنه المكان الأنسب، خاصة عندما يكون لدينا متسع من الوقت بين المحاضرات، ولكن اليوم بتنا نفضّل الجلوس في حديقة الكلية بسبب الأسعار المرتفعة فيه، فلا يمكنك أن تطلب أي طلب إلا وتدفع إضافة إلى سعره بقشيشاً يطلبه منك العامل، أو يأخذه من دون طلب، حيث يصل سعر مياه البقين الصغيرة إلى مئة وخمسين، وتصل إليك بمئة وخمس وسبعين، ثم يقول لك العامل بأنه ليس لديه “فراطة”، فتحسب بمئتي ليرة، عدا عن أسعار المشروبات الساخنة كالقهوة التي يصل ثمنها إلى مئتي ليرة سورية!.

غياب الرقابة والمحاسبة

لا شك أن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على إدارة الجامعة، واتحاد الطلبة في مراقبة الأسعار، وجودة الخدمات المقدمة في المقاصف الجامعية، والأكشاك التي ليست بأفضل حال من المقاصف من ناحية عدم التزامها بأسعار تصوير الأوراق، أو القرطاسية، أو في تعبئتها لأرصدة الموبايلات التي تزيد عن الأكشاك التي تقع خارج الكلية بحوالي خمسين أو خمس وسبعين ليرة في أحيان كثيرة، ما يجعل الطلاب يشعرون بأنهم متروكون عرضة للاستغلال من دون حماية، سواء من إدارة الجامعة، أو من قبل اتحاد الطلبة، ففي معظم المقاصف تغيب عنك قائمة الأسعار، وإذا وجدت تكون قديمة كحال قائمة الأسعار الموضوعة في مقصف الطب البشري، والتي لا علاقة لها بواقع أسعارنا الحالي، ولم نتحدث عن غياب النظافة، وسوء الخدمة والجودة المقدمة، معتز، أحد طلاب كلية الهندسة، يقول: ثمن كأس النسكافية يصل لمئتي ليرة، نصفه ماء، وأسعار البسكويت، أصغر قطعة يصل ثمنها إلى خمس وسبعين ليرة، ونحن كطلاب كلية الهندسة لدينا مصاريف كثيرة، ولا قدرة لنا على تحمّل ارتفاع الأسعار داخل مقاصفنا الجامعية، وما لمسناه أن الغالبية العظمى من الطلاب تنكفىء عن تقديم الشكاوى لعلمهم المسبق بعدم فائدتها، أو لخوفهم أو خجلهم، حتى وصل بهم الأمر لفقدان الثقة بالجهات المعنية بهذا الأمر.

 

تفضيل مصلحة الطلاب

هذا ما أكده المهندس جابر قيسانية رئيس دائرة المقاصف، موضحاً أنه تم اعتماد لوائح أسعار مقدمة من قبل فرع جامعة دمشق، الاتحاد الوطني لطلبة سورية، حيث تم تشكيل لجنة مؤلفة من أمين جامعة دمشق رئيساً، وعضوية كل من مدير الأنشطة الطلابية، ومدير المدينة الجامعية، ورئيس المقاصف، واثنين من أعضاء قيادة فرع جامعة دمشق لاتحاد الطلبة، تكون مهمتها مراقبة تنفيذ الأسعار، ومراقبة معايير الصحة والنظافة، واتخاذ العقوبات بحق المخالفين التي تتراوح بين توجيه إنذار، وإغلاق لمدة أسبوع، وفرض غرامة مالية حسب الأنظمة والقوانين، وفي حال تكرار المخالفة سحب الاستثمار، مضيفاً بأنه يوجد اليوم حوالي خمسة عشر استثماراً مغلقاً لعدم تقدم أي مستثمر إلى مزاد مثل مقصف المعلوماتية، والهندسة الطبية، ومركز تصوير الأسنان، وغيرها، مختتماً حديثه بأن هناك ارتفاعاً لبدل الاستثمار عما كان عليه في فترة سابقة، فمثلاً المطعم المركزي، العقد السابق 3 ملايين، والعقد الحالي 110 ملايين، ومطعم أوركيد من 4 ملايين إلى 128 مليوناً، ومركز تصوير الحقوق من 10 ملايين إلى 45 مليوناً، ومركز بيع المواد الاستهلاكية من 5 ملايين إلى 147 مليوناً.

أين دور اتحاد الطلبة؟

المهندس إياد طلب، رئيس فرع اتحاد الطلبة في جامعة دمشق، أوضح أنهم كاتحاد قدموا مقترحات لرئاسة جامعة دمشق التي بدورها قدمت  مقترحات لأسعار تم رفضها من قبل الاتحاد منذ ما يقارب الشهر، مضيفاً: قمنا بإرسال العديد من الكتب والتنبيهات للجامعة والمقاصف بهذا الخصوص منذ أشهر، وبرأيه، المستثمر سيربح مئة بالمئة حتى لو كان  ثمن كأس الشاي مئة ليرة أو أقل، والحجة لدى الجامعة أن صيغة العقد القانونية ورد فيها أن المستثمر يبيع وفق أسعار اللائحة التموينية، وهذا يعتبر خللاً من طرف الجامعة، فصيغة العقد يجب أن تكون غير ذلك، لأن هذا الأمر سيجعل الطالب يتحمّل هذا الخلل، واليوم يصر اتحاد الطلبة على أن يمثّل باللجان التي ستضع صيغ العقود، إضافة إلى نقطة مهمة وهي عندما يتم الحديث عن  اللائحة التموينية يجب أن يكون هناك التزام بالجودة، بالنظافة، بطبيعة المواد المستخدمة، طبيعة التقديم، هنا يمكن أن نتحدث عن لوائح تموينية، وفي اجتماع عقد بين الجامعة وممثّلين عن الاتحاد، أصر ممثّلو الاتحاد على ألا يدفع الطالب ضريبة الخطأ المرتكب في صيغة العقد، مع الاعتراض الذي قوبل به ممثّلو الاتحاد من قبل القانونية والعقود لتثبيت الأسعار على ما هي عليه بسعرها المرتفع على الطالب، والسبب الذي يظهره ممثّلو الجامعة هو أن المستثمر يرفع دعاوى على الجامعة ويربحها، وبالتالي يُخسر الجامعة، وبرأي المهندس طلب فإنه من  الأولى أن تقوم الجامعة بضبط سعر أو قيمة العقد وإلا سيقوم المستثمر بالمقابل برفع الأسعار على الطالب، لذلك الحل ضبط سقف قيمة العقد، على الرغم من جواب الجامعة الحاضر دائماً وهو عدم وجود آلية للضبط، ما يجعل التقصير واضحاً، يضيف المهندس طلب بأن بعض المعنيين بالجامعة كانوا معه بالرأي، لأن الجامعة هنا أصبحت شركة، مع كل أسف، حريصة على أن تحصل على أعلى قيمة عقد، معتبرة الطالب زبوناً تريد رفع السعر عليه.

 

ليست بجديدة

مشكلة الأسعار المرتفعة وسوء الخدمات التي تقدمها المقاصف الجامعية والأكشاك ليست بجديدة، وعلى الرغم من تبرير جميع الجهات المعنية بهذا الأمر بمتابعتها لهذه المشكلة، وتقديم حلول أقل ما يقال عنها إنها خجولة، ولكن يبقى الطالب الجامعي هو من يتحمّل العواقب والنتائج السلبية، ما يجعله عرضة لاستغلال المستثمرين وابتزازهم لأوضاع الطلاب، وعلى الرغم من تسليط العديد من وسائل الإعلام الضوء على هذه المشكلة المهمة جداً لما لها من تأثير مباشر على الطالب، تبقى الحلول بطيئة، وأحياناً كثيرة غير مجدية، لذلك من الضروري وضع حد لجشع المستثمرين حتى لا يصل بنا الأمر لمرحلة نشعر بها أن إدارة الجامعة طرف مع المستثمرين ضد طلابها.

لينا عدرة