“الحزام والطريق” تطرق أبواب القارة العجوز
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع “ذا دوران” 4/4/2019
إن التحوّل متعدّد الأقطاب الذي يحدث في جميع أنحاء القارة الأوروبية له أهمية كبيرة في مجالات التعاون الصناعي والدبلوماسي بين الصين والقارة العجوز على الرغم من المعارضة القوية للولايات المتحدة.
تؤكد زيارة شي جين بينغ إلى أوروبا حقيقة التحوّل العالمي المستمر من عالم تسيطر عليه الولايات المتحدة إلى عالم تعددي مؤلّف من قوى مختلفة تشكل مجتمعة عالماً متعدّد الأقطاب.
نفذت دول مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة سياسات تجارية طويلة الأجل تشجع على التكامل بين دول القارة الأوروبية والآسيوية. وفي عام 2015 كانت المملكة المتحدة من أوائل الدول الغربية التي انضمّت إلى بنك استثمارات البنية التحتية الآسيوي الصينيي الذي يموّل مشاريع مبادرة الحزام .
كما عمّقت ألمانيا وفرنسا على مرّ السنين شراكتهما مع بكين، وتتمتّع باريس على وجه الخصوص بعلاقات تاريخية مع الصين، كما اقتربت إيطاليا بحكومتها الجديدة في الأشهر الأخيرة من مبادرة الحزام والطريق. ويؤكد قرار توقيع مذكرة تفاهم بين بكين وروما مدى اهتمام الحكومة الجديدة في الحفاظ على موقف متوازن بين واشنطن وبكين في بعض القطاعات، وهذا هو بالضبط النهج الذي اتبعته ألمانيا، التي اختارت مواصلة تعميق علاقاتها مع موسكو فيما يتعلق بالمواد الهيدروكربونية ونورد ستريم 2 في مواجهة ضغوط واشنطن. علاوة على ذلك، أكدت كلّ من ألمانيا وإيطاليا رغبتهما في الاعتماد على شركة هواوي الصينية لتنفيذ وإدارة تقنيات “5G”.
حتى الآن تواصل واشنطن إساءة فهم السبب الذي جعل الدول الأوروبية عازمة على اغتنام الفرص التي يوفرها الشرق. مثلاً تأمل إيطاليا بأن توفر مبادرة الحزام والطريق حافزاً ضرورياً لمنتجاتها الصناعية، والتي كانت في حالة ركود في السنوات الأخيرة، بينما فضّلت برلين مصلحتها الوطنية في تنويع مصادر الطاقة، متجنّبة الاستسلام لضغوط واشنطن التي أرادت من ألمانيا أن تعتمد على الغاز الطبيعي المسال الذي تزوّده به الولايات المتحدة بسعر باهظ مقارنة بالغاز الروسي.
ومع ذلك، على الرغم من هذه الاختلافات الواضحة بين السياسيين الأوربيين بشأن استقلال الطاقة، فإن الفكرة السائدة في نهاية المطاف هي الرغبة في الهروب من هيمنة واشنطن الخانقة لصالح مشاركة أكبر في مفهوم عالم متعدّد الأقطاب، خاصة وأن بكين أصبحت تمثّل مركزية أكبر بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالتكنولوجيا أو توفير السيولة في رأس المال للاستثمارات أو توسيع نطاق الأعمال التجارية.
تبقى العقبة الأخيرة في تلك البلدان التي لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسات المؤيدة للأطلسي، وأولئك الذين يجدون في بكين، وفي المقام الأول موسكو، ذريعة ممتازة لدعوة واشنطن للتدخل بشكل أكبر في الشؤون السيادية لأوروبا. ويبدو أن دول البلطيق وبولندا تقدمان أفضل الخطوات لصنّاع السياسة في الولايات المتحدة لمحاولة التأثير على النقاش الدائر في القارة القديمة المتعلق بالعلاقات مع الشرق. وتعمل الأزمات المصطنعة التي أوجدت في أوكرانيا وسورية وفنزويلا كأدوات لتقسيم الزعماء الأوروبيين إلى معسكرات معارضة، مما يهيئ الظروف لعرقلة التعاون الأوروبي مع الشرق. لكن من الواضح حتى الآن أن قرارات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا بمواصلة تعاونها مع موسكو وبكين في مختلف المجالات تضرب بعرض الحائط الرواية التي تطرحها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الولايات المتحدة والتي تحاول ثني السياسيين الأوروبيين عن التصرف لصالح بلدانهم والانخراط مع روسيا والصين.
وبكل الأحوال، انطلق مشروع مبادرة الحزام الصيني عام 2014 بهدف طموح هو دمج التجارة بين الصين وأوروبا عن طريق البحر والبر في عملية دمج جميع البلدان فيما بينهما.