وغاب القمر.. الكاتبة والإعلامية عفاف الشب
رحلت من جندت قلمها خلال مسيرتها الإعلامية والإبداعية للدفاع عن المرأة وهي التي بحثت في قضايا الزواج والطلاق والحضانة ومشاكل العمل بالنسبة للمرأة حتى أنها فازت بجائزة أفضل مقال من صندوق التنمية السكانية التابع لمنظمة الأمم المتحدة عن “نساء في حضانة النساء” ومقال آخر عن “العنف ضد النساء” ولم تتوقف هنا بل ذهبت إلى الدراما المرئية وكتبت فيلم “دموع مرام” الذي تناولت فيه العنف ضد النساء وفاز بجائزة أفضل نص وإخراج للمخرج نجدة أنزور وفيلم آخر “حادثة على الطريق” للمخرجة رشا شربتجي وحظي بإعجاب كبير بحثت خلاله في الفروق بين النساء المتعلمات وغيرهن من حيث ردود الأفعال..
كما كتبت “منار بأربع رجال” ومسلسل “ظلال الأحلام” عن معاناة النساء في العمل ثم مسلسل “حكايا النصف الآخر” الذي كتبته على مدى عامين، وانتقلت بعد ذلك متدرجة في مناصرة المرأة السورية لكتابة مجموعة قصصية هي “وغاب القمر” بطلاتها من الشابات المراهقات وقد حظيت باهتمام وزارة التربية علماً أن لها ما يزيد عن 150 سيناريو إذاعياً تناولت فيها مواضيع شتى.
أدب النساء
وجاء برنامجها “أدب النساء” تتويجاً لتلك المسيرة الطويلة في تجنيد قلمها وفكرها للمرأة السورية، فكان “أدب النساء” برأي الراحلة ضرورة ملحّة لإيمانها بأن الدفاع عن النساء بالنسبة لها اجتهاد شريف ومقدس وإيمان قوي، لأن لنسائنا دوراً كبيراً وفكراً قويماً في صناعة أدب مقاوم نظيف وبليغ، فتذكر في أحد حواراتها أنها حين عرضت إذاعةُ دمشق عليها الكتابة في الدراما المسموعة وافقت لتكتب عن أدب النساء فقط، وقد أنجزت فيه نحو 12 حلقة إذاعية تم بثّها خلال ثلاثة شهور ماضية وبشكل أسبوعي تناولت في المرحلة الأولى منه أهم أديباتنا السوريات منذ بداية القرن العشرين ومنهن قمر كيلاني، نديمة المنقاري، ثريا الحافظ، وداد سكاكيني، ألفة الادلبي، نازك العابد، عادلة بيهم، سلمى الحفار الكزبري، الأميرة بديعة الجزائري، سهام ترجمان والشاعرات مريانا مراش، عزيزة هارون سنية الصالح، وكانت تستشهد في هذا البرنامج بآراء النقاد عنهن وتستعين بمن عاصرهن لتأكيد حقيقة عطائهن، علماً أن للراحلة بدايات مع أدب النساء منذ سنوات طوال حيث كتبت أبحاثاً طويلة في صحيفة “الوطن” السورية عن أديباتنا الكبيرات وكذلك الأمر في صحيفة “تشرين” وهي منزلها الصحفي الأول منذ ما يقارب الثلاثين عاماً.
مضامين مفيدة للجميع
كانت الراحلة ترى أن الكتابة في أيّ موضوع بالنسبة لها تحمل مضامين وأهدافاً تعود بالفائدة على الجميع.. من هنا بزغت فكرة “أدب النساء” حين لاحظت تغييباً كاملاً في الدراما المسموعة والمرئية وتهشيماً لوعي المرأة وفكرها، خاصة في الأعمال البيئية التي أظهرتها هشّة وثرثارة وبعض أعمال الفضائح والخيانات التي غسلت طهرها وإخلاصها لأسرتها من كل القيم والوفاء، لأجل المكسب المادي وجذب المشاهدين لا أكثر على حساب أنبل المخلوقات، ولأن الراحلة عُرِفَت بأنها نصيرة المرأة ومقاوِمة شرسة لأجلها كانت تؤكد أنها ستبقى لآخر عمرها تدافع عنها، لأن نساء سورية في الحرب لم يقصرن ودفعن الكثير في سبيل البلاد وكرامتها، والجميع يشعر أمامهن بالخجل لأننا لم نكن على سوية عطائهن العظيم.
نصف المجتمع
وتقديراً لكتاباتها ولحضورها الإعلامي والمجتمعي في سورية نصَّبها البرلمان الدولي لعلماء التنمية البشرية مؤخراً نائباً فيه، وهي كانت تؤكد أن هذا المنصب جاء تتويجاً لأفكارها البنّاءة واجتهاداتها وعملها في مجتمعها السوري الذي تنتمي إليه قلباً وروحاً، ولاسيما ما يتعلق بكتاباتها عن المرأة التي تشكل نصف المجتمع والتي استجرَّتها الحرب على سورية إلى مواقع لا تحسد عليها، وعن الأطفال الذين شردتهم الحرب وأصبحوا بلا مأوى ولا أهل ولا مدارس.
قضية هامة
وكمستشارة في اللجنة الاستشارية العليا للدراما وانطلاقاً من قناعتها بأهمية الدراما السورية وما تقدمه من مقولات، وعلى الرغم من اهتماماتها الكتابية الكثيرة فقد بينت أن معظم أولوياتها انصبت مؤخراً على الدراما، مؤكدة أن أي نقد كانت قد وجِّهته لها لا يعني مهاجمتها لها، بل ينبع من إيمانها بأنها مخزون الأمة الثقافي والاجتماعي والتاريخي والوطني والأخلاقي، والحاضنة الفنية الكبيرة للإبداع والعطاء الجاد، ولأن الدراما بالنسبة إليها قضية هامة تفاقم اهتمامها بهذا المنتج الفني الثقافي، وحول دراما الحرب أو الأزمة كانت ترى أنه ليس مطلوباً من الدراما تناول أحداث الحرب بكثافتها وبوقائعها المؤلمة، لأن مهمة الدراما ليست توثيقية محضة حيث التوثيق التاريخي مهمة السينما، وهذا ما نراه في قصص الحروب العالمية، وبالتالي على الدراما أن تتناول ارتداداتها في مختلف المجالات.
اليوم تحلق روح الأديبة عفاف يحيى الشب في سديم الأفق رافعة مرساتها في اتجاه آخر، مخلّفة وراءها تاريخاً من العطاء الإبداعي الذي سيبقى يذكر بها، وستبقى ذكراها حاضرة في وجدان أصدقائها ومحبيها.. لروحها الرحمة وكل العزاء والصبر لذويها ولابنتها ورفيقة دربها رفيف.
أمينة عباس