زراعتُنا والتّنظير..!؟
متى سيفرغُ مسؤولو زراعتنا من إعداد مُسوّدة استراتيجية وطنيّة لتطوير القطاع الزّراعي، وإيداعها دُرج لجنة رسم السّياسات الاقتصادية..؟ وهل لازالت حالة الانفصام عن الواقع تسمُ أداء المؤتمنين على قوتنا وأمننا الغذائي، الذين لم يجشّموا أنفسهم عناء النّزول من برجهم العاجيّ لمعاينة حواكير الواقع ميدانيّاً.؟
أسئلةٌ استحضرها تصريحُ وزير زراعتنا في أعقاب توقيع وزيري الزّراعة في كلّ من سورية ولبنان على محضر لجنة المتابعة الزّراعية السّورية اللّبنانية المشتركة، المتضمن السّماح باستيراد بطاطا المائدة من لبنان إلى سورية من تاريخ 10 تشرين الثاني ولغاية 31 من كانون الثاني من كل عام، والذي قال فيه: “إنّ 56 بالمئة من مجمل الصّادرات السّورية لدول العالم خلال الأزمة، هي زراعيّة”..! وبعد تحليقٍ موسميّ- وللعام الثالث على التّوالي- لسعر البطاطا الذي لامس 450 ليرة للكيلو غرام!؟
ما يستدرجُ التّذكير بأنّنا لطالما سمعنا كلاماً حكوميّاً معسولاً؛ عن أهميّة امتلاك هذه الاستراتيجيّة المنشودة لتحقيق التّنمية المطلوبة ضمن معطيات دعم صحيحة ومتوازنة، تُمكّن من التّطلع إلى مستقبل أفضل، تمتلك فيه البلاد قطاعاً يعمل بكفاءة عالية، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي، ويرفع من مستوى معيشة العاملين فيه، ويكون في الوقت ذاته محرّكاً للقطاعات الاقتصادية الأخرى من إنتاجٍ وتصدير.
وهل ثمّة اكتشاف في إدراكنا بأنّ القطاع الزّراعي يُشكّل قطباً رئيسياً في عمليّة التّنمية؛ ما يُرتّب إدراجه كأولوية في عمل الحكومة لدوره الرئيس في تحقيق الأمن الغذائي، والنّهوض بالاقتصاد الوطني نظراً للإمكانات المُهمّة التي تمتلكها بلادنا في هذا المضمار، والمقوّمات والمؤهّلات الطبيعيّة التي تجعلنا واقعيين وموضوعيين في تطلعاتنا إلى اقتصاد زراعي منافس على الصّعيدين الإقليمي والعالمي؟!
فكم علّق فلاحونا الآمال على معلّقات ومُطوّلات حكوميّة ونقابية من طراز: ضرورة البحث عن الآلية والسّياسة التي تُمكّننا من زراعة كلّ مترٍ قابل للزّراعة، ضمن معطيات استثمار متطوّرة، بما يدعم التّنمية الاقتصاديّة، وينسجم مع الاحتياجات المائيّة، وعدم التّلكؤ في الإقلاع ببناء سياسة صحيحة للدّعم الزّراعي تحفيزاً للإنتاج؛ بشقّيه النّباتي والحيواني، وتطوير البحث العلمي الزّراعي، وتوفير مستلزمات الإنتاج، وتأمين الأعلاف، وتفعيل السّياسات الزّراعية والرّيفية المستدامة، ومشروعات تمكين المرأة الريفية؟!
في حين لا زلنا نعقد الاجتماع تلو الآخر؛ لاجترار المواضيع ذاتها؛ كمناقشة قضايا ومسائل لا مجاهيل فيها، كفائض الحمضيّات وآليات تصريفه، وسبل استقطاب محصول التّفاح، وترشيد استيراد البطاطا، ودعم صناعة الأعلاف، وتأمين الاحتياجات المائيّة وفق أساليب الرّي الحديث، والاهتمام بالثّروة الحيوانية، واستئناف عمليات ترقيمها، وكذا البحث في آليات تأمين المازوت للمزارعين وللمربّين، وكم انتهت اجتماعاتنا بالتّأكيد على المُؤكّد!
والحال أنّ ما يجب استحضاره في حضرة الهمّ الزّراعي هو: إعادة النّظر في قوانين الاستثمار والبيئة التّشريعية الحاضنة للاستثمارات الزّراعيّة، على التّوازي مع الحلول التّسكينية؛ كالزّراعات الأسريّة لرأب الصّدع الغذائي، وجسر الفجوة بين احتياجاتنا الأساسية وبين ناتجنا القومي من المحاصيل ولاسيّما الاستراتيجية منها؛ لتغدو الزّراعة إحدى أذرع إعادة الإعمار، ورافعةً عضويّة في دوران عجلة الإنتاج..!
أيمن علي
aymanali66@hotmail.com