نتنياهو.. العفن الإسرائيلي
في الظروف الراهنة، وفي سياق الوضع الذي يمرّ به الشرق الأوسط هذه الأيام، تبدو متابعة فوز بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، بل ومجرد الاهتمام بنتائج استحقاق على شاكلة الانتخابات الإسرائيلية، نوعاً من العبث السياسي الذي لا طائل منه، ذلك أن مسار الأحداث الرئيسي في المنطقة تقوده، ومنذ سنوات، الاستراتيجيات المعمّمة للإرهاب والفوضى والرعب، وذلك أيضاً لأن التكالب في الحرب على سورية، بما حملته استيهامات الجوائز والمغانم والوعود، نحّى جانباً كل احتمالات العمل السياسي، وأفرز معه طبقة عريضة من القادة والزعماء المجرمين، الغربيين والإقليميين، الذين تلوّثت أيديهم بدماء مئات الآلاف من الأبرياء السوريين، بحيث لم تعد هناك أية فائدة، أو أية علامة فارقة منتظرة، من الممارسة الاعتيادية للفعل السياسي. وهو ما حدث بالفعل، فخلال سنوات تكاد لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة، تحوّلت الملكيات والمشيخات الخليجية إلى أنظمة عدوانية تتاجر بالحرب، وعاد “أتراك أردوغان” إلى وصمتهم التاريخية كمحتلين ومستعمرين، وتورّط الفرنسيون والبريطانيون والألمان مجدّداً في استخدام الأسلحة المحرّمة ومؤامرات التقسيم، فيما قرّر ترامب استباق نهاية المعركة وتوزيع “المغانم”، في إطار “صفقة القرن” المزعومة، بصفته المنتصر الوحيد والأخير.
والحقيقة فإن الزمن في الشرق الأوسط اليوم هو زمن الحرب؛ وإن على الجميع أن يعيشها حتى ولو لم يكن منخرطاً في تفاصيلها اليوميّة والدمويّة. وعليه، فأن يفوز نتنياهو، أو يخسر أردوغان، أو يضطر ترامب للانبطاح الكامل، بفعل جهله في التاريخ، أو تحت وطأة استرضاء اللوبي اليهودي، فذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن الكلمة هي للمزيد من المجابهة والتطرّف والعنف، وأن الخطيئة الكبرى هي أن يتهيأ لأحدهم – أو لكثيرين منهم (لا يهم!) – أن بإمكانه التصرّف وكأنها نهاية التاريخ، فيستبيح هنا، ويقضم هناك، ويضم، و”يعترف”، فيما يظلّل الجهل الاستراتيجي بجناحيه مصير المنطقة، وسط معمعة من النرجسيات وجنونات العظمة والأنانيات المتزاحمة المُهدّدة بأسوأ احتمالات يمكن أن تصادف مساحات مترامية الأطراف من شواطئ الخليج العربي وحتى شواطئ البحر المتوسط.
لن يعني فوز نتنياهو شيئاً آخر إلا أن “إسرائيل” مازالت ماضية في الجمود السياسي والإيديولوجي، وأن التعفّن انتهى أخيراً إلى أن يتوّج شخص فاسد، وكاذب، ومحتال، ومطلوب للقضاء، على مقعد رئاسة الحكومة، للمرّة الخامسة على التوالي، وهي هدية ليس من المعروف بين يدي من سوف تستقر، خاصة وأن كثيرين يمكن لهم ادعاء الأبوة في هذا الفوز، وأن التكتيكات المضادة لطبيعة الأشياء هي التي جعلت قادة دوليين يقفون بمحاذاة ترامب في طلب التجديد لرئيس حكومة اليمين الإسرائيلي، علاوة على قوافل المطبّعين العرب من مروّجي العداء لإيران، والذين ينتظرون منه أن يفتح مصاريع واشنطن لقرار شن الحرب. ولكن نتنياهو ينتظرهم بدوره، وهو عاجز عن القتال الحقيقي، وأقصى ما يمكن أن يقوم به هو أن يطلق الصواريخ عن بعد.
ما يتوقّعه هؤلاء من نتنياهو لن يزيد عمّا يحصلونه أنفسهم من منافق ومدع ومجرم يسمونه أردوغان، لا يفقه من السياسة إلا الكذب والمخاتلة والتدجيل، أما استحضار الحديث عن “السلام الذي حان وقته” – كما “تجرأ” ونطق ترامب بالأمس – فلا يتعدّى نوعاً من استحضار الأموات، أو النبش في القبور، بالتأكيد؛ ولكن العالم لم ينته، والحقائق لن تغيب.. المطلوب وحسب هو انتظار المزيد من الوقت، ذلك أن السلام، وقبله الأرض، لن يأتي إلا من خلال المقاومة، والمقاومة موجودة ومختزنة، وما تحتاجه هو أن تغادر مرحلة الكمون.
بسام هاشم