هل السر في نفط الجولان؟
علي اليوسف
لا توجد دولة في العالم تعترف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان التي احتلتها في عام 1967 وضُمّت من جانب واحد في عام 1981، باستثناء الولايات المتحدة التي خرجت عن هذا السياق في بادرة تضاف إلى سلوك ترامب المخالف للقانون الدولي. وفي العلاقة الجدلية بين المغتصب والراعي، اعتراف ترامب بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان يمثل استيلاء اليمين المؤيد لـ”إسرائيل” على صنع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لذلك فإن قرار ترامب ليس مجرد مناورة سياسية ساخرة، بل هو تغيير جذريّ في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، لأن ترامب، على عكس سابقيه، لم يتظاهر مطلقاً بالالتزام بالمعايير والاتفاقيات الدولية. ومع ذلك، فإن قرار الاعتراف بالسيادة “الإسرائيلية” على الأراضي التي يعتبرها المجتمع الدولي بالإجماع محتلة قرار غير مسبوق. إنه يعطي ختماً رسمياً من الولايات المتحدة للموافقة على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي، ولاسيما اتفاقية “جنيف الرابعة”.
القرار الذي اتخذه ترامب خطير جداً وأكبر من مجرد توقيع على ورق، لأنه في المقام الأول رفض آخر من قبل إدارة ترامب لعقود من السياسة الأمريكية، وخاصة اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على أرض معترف بها دولياً بأنها ملك للدولة السورية، كما أنه يجعل الأمور محرجة بالنسبة لحلفاء واشنطن الذين يعترفون بسيادة سورية على الجولان المحتل في المحافل الدولية. وفي هذا الشأن كتب إيان بريمر مؤسّس ورئيس مجلس إدارة مجموعة أوراسيا للاستشارات في مجال المخاطر في مذكرة بالبريد الإلكتروني: “الاعتراف الأمريكي بالضمّ يتعارض مع القانون الدولي، وسيجعل التحرك على خطة السلام أكثر حرجاً”.
التوقيع الذي جرى في البيت الأبيض يجعل الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان الذي احتلته “إسرائيل” في حرب 1967، لكن وضع الجولان لن يتغيّر، ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، وإدارة الكيان الإسرائيلي للجولان لاغية وباطلة، بحسب ما نقله متحدث باسم الأمم المتحدة عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
وعلى الرغم من الأصداء الدولية الرافضة لإعلان ترامب، قد لا يحدث هذا فرقاً كبيراً في الوضع الراهن، إذ يقول غراهام جريفيث، كبير المحللين في كونترول ريسكز، لـ CNBC: “فيما يتعلق بالحقائق على الأرض، فإنها لن تتغيّر.. احتلت إسرائيل هذه الأرض منذ عقود، لكن هذا الاعتراف الرمزي من قبل الولايات المتحدة يشكّل نقطة تحوّل ويظهر مرة أخرى المدى الذي ترغب فيه إدارة ترامب بتسجيل سابقة في السياسة الأمريكية لدعم إسرائيل”.
إذن لن يغيّر القرار الأمريكي شيئاً على أرض الواقع، لأن المجتمع الدولي بأسره يعرف أن الكيان الإسرائيلي احتل الجولان منذ 52 عاماً، لذلك لن يكون له تأثير كبير، بل على العكس ستسبّب هذه الخطوة حرجاً لكل الدول التي تقيم علاقات دافئة جداً مع أمريكا وخاصة العربية منها، لأن ذلك سيدفعهم للاستمرار في اللعب أمام الرأي العام في المنطقة مثلما هي الحال في موضوع القدس، مقابل أن يمهد ذلك الطريق لضمّ “إسرائيل” أراضي أخرى، وخاصة في الضفة الغربية التي لطالما كانت نقطة نقاش في اليمين الإسرائيلي المتشدّد، ويبدو أن إعلان ترامب لم يدعم هذا اليمين فحسب، بل أعطاهم دفعة إضافية لسلوكهم العنصري.
نشر موقع قناة “سي إن بي سي” تقريراً تحت عنوان “الجولان.. أطماع اقتصادية” أورد فيه أن الجولان المحتل يحتوي احتياطيات متوقعة بنحو مليار برميل نفطي، لكن بحسب المحلّلين الاقتصاديين في القناة، لا يوجد مصدر موثوق يؤكد المعلومة التي تتعلق بوجود احتياطيات متوقعة من النفط في الجولان تُقدّر بـ”مليار برميل”. وإذا كانت المعلومة صحيحة، فإن ذلك يعني أن إعلان ترامب ليس بهدف الحماية الأمنية لكيانه المحتل، بقدر ما هو وضع يده على ثروات الجولان بعد أن فقد أمله بسرقة نفط الجزيرة السورية.
وكانت صحيفة “هآرتس” العبرية قد قالت: إن إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل يهدف إلى تحقيق سيطرة أمريكية وإسرائيلية على كميات كبيرة من النفط والغاز من المتوقع استكشافها في هضبة الجولان. وأوضحت الصحيفة أن الإعلان الأمريكي يمهّد لابتكار تقنية استخراج كميات تجارية كبيرة من النفط والغاز بواسطة التصديع المائي لصخور هضبة الجولان في باطن الأرض، بتكلفة معقولة.
وبالفعل كانت شركة أمريكية قد تأسّست عام 2011، وشارك في مجلسها الاستشاري الاستراتيجي نخبة من ساسة العالم، أبرزهم نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، وصاحب الإمبراطورية الإعلامية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا روبرت مردوخ، ورئيس جهاز المخابرات الأميركي (سي أي أيه) السابق جيمس وولسي، ووزير المال الأميركي السابق لاري سمرز، ومحافظ ولاية نيو ميكسيكو يبل ريتشاردسون، وسفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وزير الطاقة السابق جاكوب روتثيليد، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية لويزيانا سابقاً ماري لاندرو.
حملت الشركة اسم “جيني إنرجي”، وأسّست فرعاً لها في “إسرائيل”، حمل اسم “أفيك للنفط والغاز” الإسرائيلية- الأميركية، وكانت مهمتها البحث التجريبي عن النفط والغاز الصخري في هضبة الجولان.
وحسب تقرير نشرته صحيفة “الحياة” في تشرين الثاني من العام 2018، أثار تأسيس شركة نفطية للتنقيب عن البترول الصخري في هضبة الجولان ردود فعل واسعة ومتناقضة حينها. ولجأت أطراف عديدة إلى المحاكم، حيث رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في 1 كانون الثاني 2015 التماساً لوقف المشروع كانت تقدمت به منظمات بيئية وجمعيات للمستوطنين في هضبة الجولان المحتل وأحزاب معارضة، وذلك خشية من تسرب المياه الممزوجة بالكيماويات التي تستعمل لتفكيك الصخر إلى المياه الجوفية وبحيرة طبريا.
وبدأت “أفيك” الحفر في موقع يُدعى “نفط 5” جنوب غرب خزانين للمياه وبين نهرين صغيرين قرب بحيرة طبريا. وتبنّت الشركة حملة إعلانية وعلاقات عامة واسعة النطاق في البداية، إذ توقعت العثور على احتياطات نفطية واسعة. وأشارت المعطيات بعد حفر البئر الأولى إلى أن عمليات التنقيب ستصل إلى عمق ما بين كيلومتر وكيلومترين تحت سطح الأرض. وتمّ بالفعل اكتشاف النفط في البئر الاستكشافي الأول الذي حفرته الشركة أواخر أيار 2015، أي بعد 4 أشهر من الحفر. وأبلغت البورصة الأميركية بعثورها على مؤشرات حقيقية لوجود كميات نفط تجارية في الجولان. ولكن النتائج المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن معدل الإنتاج الفعلي متواضع جداً، وبعيدٌ عن التوقعات التي ادّعتها الشركة في البداية.
إذاً لا يوجد أي مكسب للولايات المتحدة في مرتفعات الجولان، وإن رهان ترامب مجرد حيلة سياسية مثيرة للسخرية، وتأكيد لا شك فيه أن اليمين المتشدّد في أمريكا، أو ما يُسمّى بالدولة العميقة هو الذي يتحكم بقرارات ترامب. وبالتالي مهما كانت المكاسب التي سيحقّقها الكيان الإسرائيلي على المدى القصير، لن تكسب الولايات المتحدة شيئاً وستخسر قدراً ليس بقليل من مكانتها الدولية، إضافة إلى التكاليف والمشكلات التي سيخلقها ذلك للولايات المتحدة في علاقاتها مع الدول الإقليمية وما وراءها.