..وتلكم الصّفقة
عبد الكريم النّاعم
لأمر ضروريّ كان لابدّ من مغادرة البيت، وفي طريق العودة رغبت نفسي في تناول فنجان قهوة في محلّ عام، مطلّ على الشارع المزدحم بالناس، وشغلني المارّة، والتأمّل في شؤون الحياة، ولكنني فوجئت بالصديق المُناكف يقف خارج المحلّ ويشير لي بالتحيّة، وأن أبقى، فهو قادم إليّ، ولم يكد يستقرّ في مجلسه حتى بادرني: “إلى متى سنظلّ هكذا وحدنا نهتف في ذلك العراء الأجوف، انظرْ إلى معظم الدول العربيّة كيف تتداعى للقاءات التي تُدعى إليها، ولا تجد غضاضة في الاشتراك بصفقة القرن”؟!!
قلت: “دعني أتوقّف عند عدد من النقاط، ماذكرتَ منها وما لم تذكر.
1-أنت سمّيتها صفقة، والصفقة عادة تكون بين اثنين، وما يجري ليس فيه اتفاق، بل الاختلاف فيه يهدّد حتى في المفاصل التي يُفترَض ألاّ ينقسم فيها الوطنيّون، وانظر، على الأقلّ إلى موقف التنظيمات الفلسطينيّة، وحين نحذف مبدأ الصفقة تتحوّل إلى إملاء وفرض، وهو إملاء من طرف قويّ على أطراف متهالكة الضعف، ومعظم مَن أشرتَ إليهم من دول العرب، لاسيّما أعراب الخليج هم أطراف ينصاعون للإرادة الأمريكية، والتي هي تطابقٌ، وتبنٍّ للمشروع الصهيوني، ولم تكن واشنطن في يوم من الأيام حياديّة أو نزيهة، في مسألة مضى عليها أكثر من سبعين عاماً، فكيف نسلّم رؤوسنا لعدوّ حام لإسرائيل، في كلّ مراحل الصراع العربي الصهيوني؟!.
2-إنّ المواقف المبدئيّة لاتُقاس بالعدد المجرّد، وليس من المعقول أن نضع (قطر) على سبيل المثال بموازاة سوريّة، وميزان القضايا المبدئيّة هو مبدئيّتها ذاتها، فتكاثر الأشرار في محفل ما، لايعني أنّهم على حقّ، ألا تستغرب أنّنا، أحيانا، ننساق لمناقشة الآني، والطارئ، والمُتبدِّل، ونغيب عن مسألة أنّ الصهيونيّة قد اغتصبت وطنا، وهي جادة في السعي لسحب قضيته من التداول، وهي لاتكتفي بذلك بل تريد الهيمنة على المنطقة العربيّة، عبر اتفاقات، وعلاقات مشبوهة ومُدانة.
3-لكي لاتظنّ أني أذهب بعيدا، أذكّرك بأنّ قرار التقسيم المعروف ينصّ على إقامة دولتين، إحداهما فلسطينيّة، فأين هذا الحقّ؟!! مع الإصرار على حقّ العودة للذين طُردوا من ديارهم، هل تسقط الحقوق الوطنيّة القوميّة بالتقادم؟! إنّ الصهاينة لايقبلون بقيام دولة فلسطينيّة على حدود ماقبل الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس، وهم يعملون بدعم غربيّ متصهين لتمييع هذه القضيّة، وتحويلها إلى مسألة لاجئين لاغير، وهم غير صادقين فيما يقيمونه من علاقات سريّة وعلنيّة مع دول عربيّة معروفة، واليهود عبر التاريخ لم ينسجموا مع المجتمعات التي عاشوا فيها، وأفضل حالاتهم كانت أيام العرب في الأندلس، ولم يكن ذلك بطيبة منهم، بل لأنّ العرب عاملوهم كما تقتضي الأخلاق النّبيلة، انظرْ إليهم في شتاتهم، لقد ظلّوا يعيشون في أحياء مُغلقة، وقاوموا الاندماج، من منطلق “أنّهم شعب الله المختار”، هذه الفكرة الفظيعة تجعلهم في واد، والبشريّة كلّها في واد آخر، فكيف تستطيع التعايش مع مَن ينظر إليك من هذه الزاوية؟!.
إنّهم الآن لا(يطبّعون) مع بعض عواصم العرب، بل هم (يتحالفون)، وليس خفيّا ذلك الاستبدال المخيف الذي يجعل من إيران خطراً على العرب، لا إسرائيل، إنّنا الآن في مواجهة مركّبة تجعل من بعض من يُفترَض أنهم أشقاء يقفون حراسا على أبراج الصهاينة، ورغم ذلك فإنّ البوصلة لن تضيع مادام ثمّة من يرفع راية التحرير، والتصدّي، والمقياس الحقيقي في النهاية هو معرفة ميزان عواطف الشارع العربيّ. 4-الصهاينة، بمن معهم، لايريدون إلاّ حلاًّ واحداً، وهو السيطرة، بطريقة ما، على إرادة المنطقة، وها قد مضى سبعون عاما على ذلك، ولم تسقط راية المقاومة، وهاهي الراية مرفوعة في سوريّة، وفي حلف المقاومة رغم كلّ مالحق بنا من دمار وخراب، فلا يغرّنك ذلك الضخّ الإعلامي المشبوه، المرتبط بمراكز القرار الغربيّة، وسيتكشّف غبار الدمار عن أفق لاتسقط فيه تلك الراية، وإنّ غدا لناظره قريب…”.