تاريخ حافل بالبطولات..من الجلاء إلىالحرب على الإرهاب
نيسان الربيع يكتب التاريخ فيه سجلات المجد سطوراً لا تغيب لعنوان ثابت وحقيقة راسخة، مفادها أن لا محتل أو معتدياً وطأ أرض سورية إلا وخرج منها بعكس ما دخل، مُمرّغ الأنف، مُحطّم الغرور، مُبدّدَ الأوهام، فتراب سورية المبارك لا يقبل المحتلين مهما علت شوكتهم، وتعالى غرورهم، وبلغ عدّهم وعديدهم، وتراب سورية المبارك لا يقبل بذوراً فاسدة لم تسقها المحبة والعنفوان التي جُبل السوريون عليها فشبّوا وشابوا.
في ملحمة الجلاء سطوراً مباركة عنوانها دحر المحتل الفرنسي عن أرضهم، كتبوها بدمائهم ورغبتهم الأصيلة بالتحرر والاستقلال؛ كتبوها رغم بغي المحتل وجبروته، ورغم كل جيوشه الجرارة التي استقدمها إلى هذه الأرض، فكان الجلاء ورحل الفرنسيون كما سبقهم العثمانيون، رحلوا بعدما سطّر السوريون بعسكرييهم ومدنييهم ملاحم من البطولة والفداء.
عودة التاريخ
اليوم في حرب جديدة تستهدف الحجر والبشر والوجود السوري الإنساني المقدس، لا تغيب تلك الحقيقة عن أيام ذلك التاريخ الذي مضى، يعيد التاريخ نفسه وتبقى إرادة السوريين نفسها، وتتجدّد العزيمة التي كتبها رجال الجيش العربي السوري في محاربة المحتلين وإن تبدلت أسماؤهم، وتكتب ملاحم من الانتصارات في محاربة جحافل الإرهاب وتنظيماته التكفيرية لا تقلّ أبداً عن تلك التي نتذكرها مع كل احتفال بعيد الجلاء؛ من منا ينسى يوسف العظمة حين تصدّى للفرنسيين في موقعة ميسلون قرب دمشق في معركة محسومة النتائج مسبقاً، لم يكن العظمة ورفاقه قادرين على مواجهة جيش يفوقهم عدة وعديداً. فاستشهد العظمة، ودخلت القوات الفرنسية دمشق ليبدأ عهد الانتداب، لكن الإرادة التي جسّدها العظمة استمرت جذوتها، فكان الجلاء وكان بعده ذلك الجيش العقائدي الذي صان ويصون كرامة سورية، مقدماً الدماء رخيصة في سبيل حفظ الاستقلال والكرامة حتى يومنا هذا.
دور مشرّف
يستحضر العميد المتقاعد نزار سليمان ذكريات الجلاء والقصص التي يعرفها عنه، ويتحدث عن أيام قضاها في خدمة الجيش العربي السوري، واصفاً دور الضابط السوري بالواعي والمسؤول والأساسي في كل الميادين. لم تعف السنوات الطويلة التي قضاها ذلك الضابط في خدمة الجيش العربي السوري -رغم تقاعده- عن نذر ما تبقى منها، فتواصل كما كثير من زملائه المتقاعدين منذ بداية الحرب على سورية مع قيادته العسكرية واضعاً نفسه وخدماته تحت تصرفها مجدداً. يقول سليمان: الضباط طبقة واعية في المجتمع لأن تأهيلها أكاديمي، فهي كانت من فئات المجتمع السوري التي استشعرت الخطر باكراً وأكثر من غيرها، فسارعنا للتواصل مع قياداتنا وشكلنا خطوط دفاع عن الوطن ومدنه وأريافه وبلداته المختلفة، وندافع اليوم عن الجلاء الذي صنعناه سابقاً بإرادة كل السوريين.
أدوار مكمّلة
بدوره يتحدث اللواء المتقاعد أحمد الحسن عن دور الضباط السوريين الذين شاركوا الزعامات الدينية وشيوخ القبائل ثوراتهم التي صنعت استقلال سورية وجلائها، ويشرح أهمية الدور الذي يقوم به الضباط المتقاعدون في هذه الأحداث، فالأعوام الأربعون التي قضاها الحسن في خدمة الجيش لم تعفه أيضاً من متابعة واستكمال دوره النضالي في الجيش، فالضباط المتقاعدون أصحاب خبرة وباع طويل في القتال والأعمال الحربية، وهم اليوم يشكلون خط دفاع ثانٍ إلى جانب الجيش وقوات الدفاع الوطني في حماية وصيانة الاستقلال، لكن المطلوب في عيد الجلاء هذا الالتفات لهذا الدور مجدداً ودعمه بكل الخيارات والوسائل المتاحة، وهو الدور الذي ننتظره من رابطة المحاربين القدماء في القادم من الأيام.
دروس وعبر
حين نحتفل بالتاريخ ونستعيده ونتذكره لا نفعل ذلك طرباً أو تغنياً، فالتاريخ كتاب حافل يقدّم الدروس والعبر ويفضي للنتائج نفسها حين تكون قصصه متشابهة، في يوم الجلاء هذا ما أشدّ تشابه التاريخ، فقصص الملاحم والبطولة التي كتبها الضباط السوريون عبر تاريخهم يكررونها اليوم بقصص مشرفة أخرى تصون الجلاء وتبقي الاستقلال وساماً لامعاً على صدور السوريين.
محمد محمود