رغم إبداعهم وارتباط عملهم برموز سورية عريقة”الأيــــدي الماهــــرة” مهــــددة بالانقـــراض وخـــارج إطـــار الدعـــم والتنظيـــم
على الرغم من مهارة الأيدي الحرفية السورية وما تبدعه من منتجات تصدّرت المراكز الأولى على مرّ التاريخ، سواء في تصنيف التراث التاريخي الدال على عمق الحضارة وندرة الخبرة والاختصاص، أو لجهة تشكيلها نسبة لا بأس بها من الصادرات السورية والتي قُدّرت بنحو 25% منها قبل الأزمة و25% من الدخل القومي، إلا أن قطاع الحرفيين لا يزال يعاني ما يعانيه من إشكاليات عديدة تستنزف قدرته على الاستمرار، وبالتالي فإن عدم استثمار هذا الإرث التاريخي وتوظيفه في خطط التنمية كمورد اقتصادي يساهم بفوات رصيد اقتصادي على الدولة وخزينتها كفيل بدعم الاقتصاد الوطني والمحافظة على المهن التراثية في سورية من الاندثار.
ولعلّ خصوصية المهن الحرفية كصناعة الحفر على النحاس، والموزاييك الخشبي، والسيف الدمشقي، وحرف صياغة الذهب وصناعة الرخام والشرقيات، وصناعة البروكار والفخار والخزف وارتباطها بالتراث السوري ورموزه من جهة، وإقامة معرض لها على أرض مدينة المعارض القديمة بمناسبة عيد الجلاء يمتد ليوم السبت القادم من جهة أخرى، حرضنا على تسليط الضوء على إشكاليات هذا القطاع المهم الذي نالت منه الأزمة بشكل مباشر وأدّت إلى فقدان الكثير من الورشات الحرفية وهجرة أصحابها إلى دول عدة رحب بهم ومدّت يد الدعم والمساعدة لاستقطابهم لاكتساب خبرتهم النادرة.
تشتت وضياع
أولى ملامح معاناة الحرفيين تتمثّل بعدم تأمين أماكن عمل تضمّ جميع الحرف التراثية، بحسب رئيس جمعية الحرفيين في دمشق فؤاد عربش، إذ تركزت معظم الحرف في الريف ومناطق المخالفات وأصبحوا بأمسّ الحاجة إلى المكان لتثبيت حرفهم، بدلاً من انتشار من بقي منهم على الأرصفة والشوارع، وتنوعت الإشكاليات بين الصعوبة في تأمين المواد الأولية، وارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفة المواد الأولية لهذه المهن، إلى جانب ارتفاع قيمة الضرائب عليها، وصعوبة تصريف إنتاجهم في السوق الداخلية، مما أدى إلى كساد كميات كبيرة من إنتاجهم بسبب الأزمة.
منازعات سيادية
وبالرغم من وجود تعاقد لإحداث قرية للحرف التراثية الإبداعية اليدوية في دمشق، كمنطقة حرفية في منطقة باب شرقي منذ عام 2009، وتخصيص الأرض من قبل المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، إلا أن العمل استمر بالورقيات لعام 2011 دون البدء بالتنفيذ الفعلي للمشروع، ولكن ظهور التنازع فيما بعد بين وزارتي السياحة والثقافة للاستحواذ عليها، أدى إلى تأخره بحسب رئيس المكتب الاقتصادي للحرفيين في دمشق خلدون المسوتي، لافتاً إلى أن المشروع يعود لاتحاد الحرفيين وهو ملك للحرفيين وقد تمّ دفع مبالغ التأمين والمخططات والتعاقد مع المكتب الهندسي ورفعها إلى المحافظة من قبل الحرفيين آنذاك، لكن استمرار المنازعات إضافة إلى حدوث الأزمة عرقل تتابع الخطوات في تنفيذ المشروع. وبيّن المسوتي أن المحافظة نقلت ملكية أرض المشروع حالياً إلى شركة دمشق القابضة للإنشاء والاستثمار، ليتمّ التعاون مع الشركة في إنجاز المشروع وفق الأسس التي وجّهت بها محافظة دمشق لإنشاء تلك القرية.
ملامح تنظيمية
وفي الجانب التنظيمي بيّن المسوتي أنه تمّ العمل بالبحث العملي “مكتب التراث الوطني”، والبدء بتنفيذ السجل الوطني للتراث لتسجيلها باسم الحرفي ودولته، وتسجيل شهادات الملكية التراثية والتصنيف الحرفي، إذ ساهم غياب وجود سجل للتراث الوطني السوري والذي يوثق الحرف ويصنّف صانعيها، ويحدّد مالكيها، بتسرب ونقل هذه الحرف إلى خارج سورية ونسبها إلى تراث دول أخرى، وسبّب هجرة اليد الماهرة المبدعة إلى الخارج، كما تم إحداث مجلس شيوخ الكار المركزي الذي أصبح إضافة إلى مكتب التراث الوطني جزءاً لا يتجزأ من اتحاد الحرفيين بحيث يتمّ تفعيل الجانب الاقتصادي في الاتحاد الحرفي. ولفت المسوتي إلى أنه تم التعاقد مع اتحاد الحرفيين ووزارة الصناعة لإنشاء حاضنة دمر التي تُعنى بالتعليم والتدريب الحرفي والعمل والترويج له داخل وخارج البلد، وبالتالي توفر الحاضنة والخبرة والتدريب اللازم لاستمرار هذه الحرفة من خلال ورشاتهم وتدريب جيل الشباب عليها لضمان استمراريتها في المستقبل، مؤكداً على أنه سيتم إحداث حاضنات مماثلة في كافة المحافظات، مشيراً إلى أنه تمّ التعاقد لإحداث مركز تجاري متبادل في دولة أبخازيا على أن يكون المركز في حاضنة دمر.
وأخيراً وعلى اعتبار أن القطاع الحرفي يعدّ من أكبر القطاعات التي بقيت صامدة، ويمثّل أرضية خصبة لتقوية الاقتصاد الوطني، لابد من التركيز على هذا القطاع المهمّ في سياسة الإصلاح الاقتصادي، وإيلائه الدعم المناسب لضمان استمرار الأيدي الماهرة في تخليد التراث السوري العريق.
فاتن شنان