فشل النظام السياسي في بريطانيا
بعد ما يقرب ثلاث سنوات من الجدل على الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، يقول أكثر من نصف الناخبين البريطانيين إنهم يريدون زعيماً قوياً. هذه الأمنية هي نتيجة للتقييم الذي قامت به جمعية هانسارد، وهي مجموعة في البرلمان البريطاني تؤكد أن الثقة في نظام الحكم في البلاد هي في أدنى مستوياتها منذ 15 عاماً، وأن 54 في المئة من البريطانيين يقولون: إن المملكة المتحدة تحتاج إلى “زعيم قوي مستعد لخرق القواعد”.
في الأدبيات الأكاديمية، غالباً ما يُنظر إلى دعم القيادة القوية أو الديمقراطية، على أنها لعبة محصلتها صفر، ففي ورقة بحثية عام 2017، وصف روبرتو ستيفان فوا من جامعة ملبورن، وياشا مونك من جامعة هارفارد، خيبة الأمل في الحكومة الديمقراطية على أنها اتجاه عالمي. حيث لم يعد الشباب في المجتمعات الغربية يعتبرون أنه من الضروري العيش في ديمقراطية، وأظهرت الموجة الأخيرة من استطلاع القيم العالمية، التي أجريت بين 2010 – 2014، تحوّلاً ملحوظاً في الحاجة لزعيم قوي “لا ينزعج من الانتخابات”.
استشهد فوا ومونك أيضاً باستطلاعات الرأي الوطنية وخلصا إلى أنه سيأتي يوم من الأيام يسجل بداية النهاية للديمقراطية الليبرالية، مشيرين إلى أن أفضل رد هو الإقرار بأن دعم الديمقراطية لا يتعارض بالضرورة مع الرغبة في قيادة قوية. إذ لا توجد وسيلة لقياس ما تعنيه الأمة بـ “زعيم قوي” من خلال طرح سؤال أو سؤالين بسيطين. ولهذا تعد “بريكست” مثالاً جيداً على هذا التعقيد.
تُظهر الثقة في الديمقراطية المباشرة، حتى لو كانت قد أسفرت عن نتيجة دون المستوى المطلوب، أن الرغبة في قيادة قوية ليست نفسها المطلب بالتخلي عن الديمقراطية، فـ 47 في المائة فقط ممن استطلعت آراؤهم من قبل جمعية هانسارد، وهي أعلى نسبة في تاريخ مراجعة الحسابات الممتد على مدى 15 عاماً، يشعرون أنه في النظام الحالي، ليس لديهم أي تأثير على صنع القرار على المستوى الوطني.
وهنا نرى أن حكومة تيريزا ماي، غير القادرة على التفاوض على نسخة قابلة للتطبيق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مستمرة في السلطة على الرغم من عدم فوزها بأغلبية ساحقة في الانتخابات، إنها تدعي الشرعية الديمقراطية والتفويض لتقديم إرادة الشعب على النحو المعبر عنه في استفتاء عام 2016 دون أن تعود إلى الناس مرة أخرى. من وجهة نظر الناخب، كل هذا غير مفهوم على الإطلاق، ولو كان هناك زعيم قوي لكان من الممكن الوصول إلى نتائج، إما الخروج دون اتفاق أو حل وسط بحيث يكون من المستحيل رفضه.
يعكس الطلب على زعيم “يخالف القواعد” إحباط الناخبين البريطانيين من العملية التي لا نهاية لها دون نتائج، والعناد دون ابتكار، والقتال دون اتفاق. إن هذا لا يعتبر فشلاً للديمقراطية في بريطانيا، بل فشل للنظام السياسي برمته بسبب غياب قيادة حاسمة قادرة على حل المشكلات المعقدة. والأهم غياب المرشحين لمثل هذه القيادة.
عناية ناصر