لا يستحق اسم المرض التوحد.. اضطراب في التواصل مع المحيط والعلاج بتنمية المهارات
اضطراب يبدأ في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل لتبدأ معه المعاناة، عزلة وعجز عن تفسير العواطف والكلام، والبعض لديه قدرات كلامية، لكنه يبقى غريباً عن أقرانه، إنهم مرضى التوحد الذي يصاب به حوالي 1-2 من كل 1000 شخص في جميع أنحاء العالم، ويصاب به الأولاد أكثر من البنات 4 مرات، ثالوث الأعراض نفسه: (ضعف التواصل السمعي، والبصري، والاجتماعي)، والحالات متفاوتة بين خفيفة إلى متوسطة وصولاً للشديدة.
التوحد!
ترى الدكتورة ثناء عبد الرؤوف الضامن، الاختصاصية بالأمراض العصبية عند الأطفال، أن التوحد لا يستحق اسم المرض، وإنما هو اضطراب نفسي بالسلوك والتواصل مع المحيط، خاصة التواصل اللغوي، يظهر منذ السنوات الأولى، ويستمر مدى الحياة، وتظهر أعراضه بشكل مبكر، وتصبح أكثر وضوحاً ببلوغ الطفل السنوات الثلاث، ويتجسد بمجموعة أعراض سلوكية، واهتمامات غريبة، وحركات نمطية روتينية تكرر دون هدف كرفرفة اليدين، والتأخر في النطق، وعدم القدرة على التعبير عن الاحتياجات، ولا يستجيب لمناداة اسمه، وعدم الرغبة في التعامل واللعب مع الأطفال الآخرين، ونوبات الضحك والغضب دون سبب، والتحديق مطولاً لدوران الأشياء كدوران الغسالة، لافتة إلى ضرورة فصل أطفال التوحد عن أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فمشكلة مريض التوحد بالتواصل وليس التأخر العقلي، ولذلك يجب الانتباه إلى عدم وضعه مع أطفال أقل منه بمستوى الذكاء والاستيعاب.
دور التربية الخاصة
ولاء الحسن، رئيس مجلس إدارة جمعية “سلوك لذوي الإعاقة” التي زرناها في مقر الجمعية، تحدثت عن نشأة المرض، وكيفية تميز طفل التوحد عن أقرانه، فمن ظهرت لديه أعراض التوحد المبكرة في سن الرضاعة كضعف في التواصل البصري، أو التأخر في الاستجابات الانفعالية، عندها يمكن القول إن الحالة الأساسية موجودة، وسماتها واضحة، أو قد ينشأ الطفل ويتطور بصورة طبيعية تماماً خلال الأشهر أو السنوات الأولى من حياته، لكنه يفقد المهارات فجأة، لافتة إلى عدم إمكانية التشخيص الكامل لمرض التوحد لصغر عمر الطفل، إضافة لوجود اضطرابات كثيرة متشابهة مع التوحد، يتم التشخيص الكامل من عمر ثلاث سنوات إلى ثلاث سنوات ونصف.
وعند سؤال الحسن عن دور الجمعية، وكيفية التعامل مع فئة التوحد، بيّنت أن الجمعية تضم ثلاثة أقسام لمرضى التوحد: (قسم التدخل المبكر، وقسم التأهيل للدمج، وقسم التأهيل المهني)، مؤكدة على أن مراكز التربية الخاصة هي مراكز تأهيل، ففي المرحلة الأولى يضع فريق مؤلف من اختصاصيي التربية الخاصة، واختصاصيي النطق واللغة “خطة عمل” على برنامج لوفاس (ABA) لتقييم سلوك الأطفال المصابين بمرض التوحد لتحديد نقاط الضعف والقوة والمهارات عندهم، ثم يضع الخطة الخاصة بتعديل السلوك، والتكامل الحسي، والعلاج الوظيفي التي يتبعها المعلمون المتخصصون بالتوحد المتعاملون مباشرة مع الطفل، وتتضمن الخطة عدة مجالات: الرعاية الذاتية من خلال تعليم المهارات وتحليلها: (ضبط التبول- الأكل- اللبس- الجلوس بالمكان– الشرب لوحده)، ثم الإدراك بقياس عمر الطفل الزمني والإدراكي، تليها مهارات التواصل، والتقليد، واللغة الاستقبالية، والتركيز، والانتباه.
وتضيف الحسن: بعد تنفيذ خطة تعديل السلوك والمهارات، يدخل الطفل إلى صف تنمية المهارات لتطوير التمييز والإدراك البصري- السمعي، ووصل الخطوط والتلوين، ثم الانتقال لمرحلة قبل الدمج، حيث يتعلّم منهاج الصف الأول بطريقة اختصاصيي التربية الخاصة، وباستخدام وسائل تواصل خاصة بالمصابين بالتوحد، ويتعايش مع مجموعة أطفال في أجواء الصف المدرسي، ثم الانتقال لمرحلة الدمج، ويدخل مدرسة ومعه مرافقة من المركز تسمى مدرسة الظل مهمتها تلقينه.
ونوّهت الحسن إلى ضرورة تقبّل الأهل بأن حالة التوحد هي حالة مرافقة للحياة، وأن الدواء وسيلة مساعدة، والعلاج الأساسي هو العلاج السلوكي، وللحصول على أفضل النتائج الممكنة يجب تطبيق الخطة البرامجية ضمن المركز في المنزل، حيث تتحول الأم إلى الاختصاصي والمدرب بالوقت نفسه لتدريبه، لافتة إلى أن الجمعية تقدم برامج دورية لتوعية الأهالي لاضطراب التوحد، ولتعديل السلوك، وكيفية التواصل، وضبط الغضب.
آلية العلاج
وأكدت الحسن أن التعامل مع هؤلاء يتم بتنمية وتطوير المهارات للطفل للوصول لمرحلة التشابه مع الطفل الطبيعي تقريباً بنسبة 80% ليكون فعالاً في المجتمع.
وتحدثت الحسن عن حالات تصادفها، حيث تلاحظ الأم عند طفلها أعراض التوحد، ولكنه ليس توحداً، مثلاً: لديها طفل عمره سنة، أي في بداية اكتسابه للغة، ولكنه يجلس 24 ساعة أمام التلفزيون، لا تتفاعل معه، لا تتحدث معه، وبالتالي خلقت له بيئة ليصبح طفل توحد يعاني من مشكلة اضطراب في التواصل مع الآخرين، ويتم العلاج من خلال 6 أشهر من التدخل المبكر، والتدريب، ويعود الطفل سليماً تماماً.
تكاليف باهظة
وعن تكاليف العلاج قالت الحسن: أسرة التوحد تعاني من تعب مادي مرهق ما بين مراكز التربية الخاصة، والأدوية الباهظة، إضافة لوجود حالات تخضع لحميات غذائية عن مادة القمح، والحليب، ومشتقاتهما، لأنها تزيد عندهم التشتت، وهي حمية مكلفة جداً بسبب البدائل والمنتجات الخاصة.
ولفتت إلى أن أطفال التوحد أظهروا قدرتهم على الإبداع بما يفوق الأطفال العاديين، مشيرة إلى إبداع الكثير منهم في مجال الموسيقا، والرسم على الخشب، وبرامج الكمبيوتر، والتكنولوجيا، إضافة للأطفال الذين أثبتوا تميزهم في الاولمبياد الخاص لسباق الدراجات.
رهف شحاذة