عندمـــا تفقـــد الأبــــواب مكانهــــا.. الـركـــــام فعـــــل فاعــــــــــل
لماذا وكيف اختارت الأديبة جمانة طه الأبواب ناطقا باسم الأوجاع؟ وكيف جعلت تلك الأبواب وقد غدت مرمية على الركام تتكلم، تسرد على مسامعنا حكاية القهر والدمار والخراب؟
“أبواب في الركام”، عنوان المجموعة القصصية الجديدة لجمانة طه، وهي صادرة عن اتحاد الكتاب العرب، وربما نختلف ما إذا كانت للصغار أم للكبار، ففي الشكل يبقى شكلا هي للأطفال حين صار الباب راويا كما في كل القصص الموجهة للطفولة اعتقادا منا أن هذا الشكل أكثر قدرة على لفت انتباه الطفل وجعله يصغي للحكاية، أما من حيث المضمون فإنها مخاطبة واعية للكبار، للكل، لمن له أذنان صاغيتان، وهي مكثفة وبكل تركيز للأفكار، وبلغة ليست مبسطة التبسيط كله، ولاهي بالجزلة العصية على الفهم، إنها لغة أديبة متمكنة من أدواتها تماما، تعرف مكانة المفردة الواحدة وكذلك الجملة في أداء المعنى وتحريكه على النحو المراد. الأبواب عند جمانة مقطوعة من شجرة تحمل أسباب الحنين للأصل الطيب في أرض خيرة، عمل منشار الإنسان على انتزاعها من هناك، جلبها عنوة، وضعها في المكان الذي يريد، لكنه عاد ورماها بسبب أفعاله بين الركام، لم يهن على الأديبة أن تكون هذه نهايتها، لذلك عمدت إلى منحها روحا من روحها، فصارت لحما ودما، صارت شخصا كباقي الشخصيات التي تمتهن السرد ونقل الرواية بصور شتى، وتجيد الغمز واللمز، وتندد بكثير من المواقف التي كانت شاهدة حية عليها، بل هي الشاهد الأكثر مصداقية لانتفاء الحاجة، أو لعدم وجود مصلحة مادية أو منفعة معنوية من جراء ذلك.
باختصار أبواب جمانة طه شاهد صدق على أفعال الإنسان خلفها، فأي أفعال هي؟
كذلك تنوعت الأبواب ليس بتنوع الخشب بل بتنوع الأشياء التي تصنع منها، كأبواب مصنوعة من بعض المعادن، الحديد، الألمنيوم، وغيرها كالأبواب التي تقف على باب الطائرة وهذه لها ميزات خاصة، وهي قادرة على مشاهدة الحدث بحكم الموقع أكثر من تلك التي تقف على مدخل الفنادق أو بيوت الفقراء.
هذا من حيث الشكل وله دوره في نقل النص مثلما للعنوان دوره في لفت انتباه القارئ، أما المضمون فنحن أمام باقة من القصص اختارتها القاصة بكثير من العناية وملكة الانتقاء من هذا الكم الهائل الذي يطالعها في حلها وترحالها، ويعكس الكثير من وجهات نظرها وموقفها من قضايا الإنسان المعاصر.
ونبدأ من عنوان المجموعة (أبواب في الركام) وهو يحمل الكثير من التكثيف والإشارة والدلالات على ما صارت إليه البيوت من دمار وخراب وركام.. لنعبر إلى المدينة المعجزة، حيث الخرس الأسروي ولعب الورق ودار القيان، لتموت متقاعدا، وبرمة مفتاح، مع أبشع الحموات، في باب عتيق، وكومة فيران، وصولا إلى باب طائرة، انتقالا إلى معاني الحياة، ووحش بشري، وفطور فرنسي، حيث باب دمشقي، وانفجار ثم تهويمات باب..
هذه العناوين ومهما دلت عن شيء فإن وظيفتها لا تتعدي التحريض، ويبقى النص بما يحمله من شحنات صادرة من قلب وعقل الأديب هي من تحفزنا على القراءة، أما اللغة وهي عند جمانة طه غاية في الدقة والمقدرة على نقل المعنى وخدمة السرد، فإنها ولا شك قيمة مضافة للمعنى وللمبنى العام للحكاية.
يبقى أن نشير إلى أن الباب الذي لعب دور الراوي في نقل الأحداث تأنسن وصار مثل كثير من الناس، لكنه ليس مضطرا للكذب أو للهروب من نقل الحقائق كما سجلتها عينه اللماحة ورأيه الحصيف.
رياض طبرة