تحقيقات

الربعات السورية..تحتضن المجتمع المحلي وتكرّس المحبة والتآخي

تشهد غالبية القرى الريفية، وعديد المدن والبلدات في محافظة الحسكة ربعات عشائرية وجدت قبل عشرات السنين، بل ولدت مع ولادة تلك القرى والبلدات، يؤسسها كبير القرية أو مختارها، وبنسبة أكبر ينشئها شيخ العشيرة قبل أن يؤسس منزله الشخصي لأهميتها ودورها الكبير، فهي تعد رمزاً، وتكون علامة من علامات كرم الشيخ وحكمته، استطاعت الربعة أن تكون مسرحاً للمحبة، تجمع كافة أطياف وألوان الجزيرة السورية، تحتضن كل الأعراق والأديان، فيها تنجز كافة المشاكل والخلافات والاختلافات، قد تكون بين الأسرة الواحدة، وقد تكون بين أسر، وأحياناً أخرى بين أطراف متنازعة متناثرين في القرى والبلدات، تجمعهم إحدى الربعات، وفيها يحل السلام والمصالحة.

في قرية المصطفاوية التابعة لمنطقة المالكية، أقصى الشمال من محافظة الحسكة، حيث ربعة القرية التي تعدّ إحدى أقدم الربعات على مستوى المنطقة، فيها أنجزت أجمل اللوحات الاجتماعية، ومن خلالها انتشرت لغة المحبة والسلام، حافظ الأبناء على ورثة الأجداد بالحفاظ عليها حتى اليوم، هذا ما بيّنه رئيس عشيرة العباسين في القرية، ورئيس مجلس بلديتها، وأضاف في حديثه: أسس المرحوم (يوسف مجدل) ربعة قريتنا للمرة الأولى عام 1880، منذ تأسيسها أعلنت فيها رسالة الحب والأخوة بين الناس، يومياً كان هناك حدث اجتماعي بين أهل المنطقة في ذلك المكان، حافظت على دورها الاجتماعي بالدرجة الأولى، ووجدت تفاعلاً وإقبالاً وحراكاً عليها من شتى المناطق، حتى من دول مجاورة، فقد كان لها زوار من دولتي “العراق، وتركيا” بشكل دائم، لذلك احتاجت الترميم، فقام بذلك شيخ العشيرة السابق (حسين حاج محمود) عام 1980، استمرت الربعة ومن يشرف عليها بالمضي في نهجها، كانت منطلقاً لمناقشة وحل قضايا الأسرة في القرية، مروراً بقضايا المنطقة، وجميع العشائر، والمشاركة مع بقية الشيوخ والوجهاء لحلها، استقبلت شيوخاً، ووجهاء، وعمالاً، وفلاحين وموظفين، شباباً وصغاراً، كانت الرغبة بأن يتواجد فيها كل الأعمار والثقافات ليكبروا على حب الخير والسلام، تم فيها إنجاز أرقام كثيرة من حالات الصلح، وبتر الخلافات، وفيها تم تزويج الشباب، ومن خلالها أقيمت الولائم بشكل يومي لكل ضيف يطرق باب الربعة، علماً بأن الكثير من الزوار، من مناطق بعيدة، كانوا يقضون ليلتهم فيها لعدم قدرتهم على السفر إلى مناطقهم، كانوا يجدون فيها كل سبل الهدوء، والزوار ذاتهم كانوا يكررون الزيارات من أجل الحفاظ على العلاقة الاجتماعية التي رسمت بيننا، قاطعين مسافات طويلة، هي قائمة حتى يومنا هذا بعد أن أسست ربعة جديدة عام 2001 لعدم فائدة الترميم بالربعة القديمة.

في ريف القامشلي ربعة السيد حسين الحسو، أحد وجهاء عشيرة الراشد العربية، وقد أشار إلى وجود القيم والمعاني ذاتها التي وجدت في ربعة المصطفاوية، ولكن في ربعته التي ورثها الآباء والأجداد للأبناء أكد الحسو بأن الربعة تشهد بشكل دائم إقامة جلسات تراثية للحفاظ على الماضي وأصالته الفنية من خلال العزف على الربابة، وإلقاء الشعر من شعراء الماضي، بالإضافة إلى سرد قصص التاريخ والماضي عن المنطقة ورموزها حتى تبقى في أذهان الأجيال الحالية، مع حرصنا على إقامة ولائم بين الحين والآخر، نستهدف جميع وجهاء المنطقة بمختلف أطيافهم للحفاظ على اللوحة الوطنية والاجتماعية التي كانت وستبقى العنوان الأبرز بيننا وفي ربعاتنا، ومن بين الأمور المهمة التي أنجزت وتنجز في الربعات، وجود عشرات القطع التراثية والفلكلورية فيها لتكون شاخصة وحاضرة أمام الجميع، وحتى لا تندثر من الذاكرة، وأشير إلى أن غالبية الربعات تكون صيفية عبارة عن خيمة تنصب في العراء بجانب منزل كبير القرية، وشتوية عبارة عن غرفة كبيرة.

عبد العظيم العبد الله