هل تنتهي شركات النفط والغاز العالمية؟!
عناية ناصر
تواجه شركات النفط والغاز العالمية، وعلى نحو متزايد، معركة قاسية، حيث تؤتي سياسات الاحتباس الحراري العالمي ثمارها. ويركز معظم المحلّلين ومراقبي السوق على سيناريوهات الطلب على النفط، لكن الواقع قد يكون أكثر قتامة، إذ أن من المحتمل أن تواجه شركات النفط العالمية (IOCs) سيناريو المصير الأسوأ، والذي قد يكون في نهاية المطاف نعمة لشركات النفط الوطنية.
يضع النشاط المتزايد لحملة الأسهم، مقترناً بسياسات الاحتباس العالمي، شركات النفط الدولية في الزاوية، مما يقيّد من خيارات التمويل لشركات النفط، وقد ظهرت أولى علامات الثورة الخضراء في عالم المساهمين والمستثمرين، حين أجبر المستثمرون شركة النفط والغاز الهولندية الرئيسية “شل” على تغيير إستراتيجيتها رسمياً، والاستثمار في المزيد من الطاقة المتجدّدة وتخزين الطاقة. لم تجبر شركة النفط الدولية الهولندية على القيام بذلك بسبب سوء الإدارة، أو الافتقار إلى الاحتياطيات، ولكن بسبب هجوم منظم من قبل المستثمرين، أصحاب المصلحة. ومن المتوقع أن يتمّ اعتبار العديد من نظرائها الآخرين، شركات مثل “بريتيش بتروليوم” و”ايني” و”توتال”، في مواقف قابلة للمقارنة.
لقد أصبح من الواضح أنه لا يتمّ استهداف عمالقة النفط والغاز فحسب، فقد قرّرت شركة “جلينكور”، إحدى أكبر شركات تجارة المناجم والسلع في العالم، وضع حدّ لاستثمارها في الفحم الحراري. وذكرت المجموعة أن ذلك تمّ بعد أن واجهتها شبكة غير معروفة على نطاق واسع من المساهمين تُدعى Climate Action 100+، تدّعي أنها مدعومة بأكثر من 300 مستثمر، تدير الأصول التي تبلغ نحو 32 تريليون دولار، وكانت المجموعة قد تأسّست منذ أكثر من عام، لكنها أجبرت بالفعل مجالس إدارة شركات النفط الكبرى على اتخاذ قرارات جذرية.
يُظهر ما سبق أن القطاعات الهيدروكربونية والتعدين الدولية تواجه عقبة جديدة، حيث جوبهت بمجموعات كبيرة من حاملي الأسهم الناشطين، اجتماعياً وبيئياً، الذين لم يعودوا ينظرون إلى القيمة التجارية فقط.
إن مجموعة من المستثمرين المؤسّسيين الناشطين، وصناديق التقاعد الدولية، والمنظمات غير الحكومية، هي قوة جديدة يجب التعامل معها، وسوف تحتاج الشركات المدرجة في البورصة إلى التعامل مع إرادة مساهميها، وخاصة فيما يتعلّق بسياسات تغيّر المناخ أو إزالة الكربون من الاقتصاد. وهكذا بعد عقود من التركيز على تحقيق أقصى عوائد للمساهمين، تغيّرت الأمور بشكل كبير.
بالنسبة لشركات النفط الكبرى، والتي تشمل مستثمرين مثل Calpers وAllianz SE، وHSBC Global Asset Management، يبقى القيام باستثمارات مربحة أولوية قصوى، ولكنها لم تعد تتبنى موقفاً سلبياً تجاه تغيّر المناخ. ومن دون الإيفاء بمتطلبات المنظمات غير الحكومية والمستثمرين المشاركين الاجتماعيين، سيتمّ تخفيض رأس المال الجديد لمشروعات النفط والغاز الجديدة. يتوقع البعض أن دور شركات النفط العالمية الغربية قد ينخفض في العامين المقبلين، بسبب توجهات المساهمين السياسية لإجبار شركات النفط العالمية، مثل “شل” أو “بريتيش بتروليوم”، على الامتثال للسياسات التي من شأنها أن تخفّف من “بصمتها الكربونية الصافية” إلى النصف بحلول عام 2050، ما يمكن أن يؤدي إلى زوال هذه الشركات على المدى الطويل.
يمكن أن نصل إلى زوال شركات النفط العالمية، كما نعرفها الآن، في وقت أقرب مما يتوقعه الكثيرون. وهذا بالطبع سيأتي بتكلفة على المناطق أو المستهلكين المتعطشين للطاقة، فمع نمو صافي الطلب على النفط والغاز في السنوات القادمة، سيحتاج العالم إلى كل الجهود لدعم الاستثمارات الأولية من أجل التنقيب عن احتياطيات النفط والغاز في ظل كميات الغاز التي تحتاجها السوق. ومع وجود خيارات تمويل أقل لشركات النفط العالمية، وكذلك في استثمار حقول النفط، فإن الفجوة الاستثمارية القائمة بالفعل في الاستثمار في مناطق الإنتاج في جميع أنحاء العالم سوف تتسع حتماً.
وعلى النقيض مما تشير إليه بعض المصادر الإعلامية، فإن الطلب على النفط والغاز لن يتناقص، بل على العكس، سوف ترتفع أسعار النفط والغاز بسبب نقص العرض.
هذه الصورة ليست سيناريو أو كابوساً مستقبلياً، ولكنها تظهر من خلال حقيقة أن عدداً أكبر من شركات النفط والغاز الأصغر أصبحت مفلسة. وينجم هذا الإفلاس جزئياً عن “قيود الاحتباس العالمي” وانخفاض أسعار النفط بشكل عام. وقد ظهرت أولى الخسائر في أوروبا، وبصورة رئيسية في المملكة المتحدة، حيث أفلست 16 شركة في عام 2018، بالمقارنة مع صفر في عام 2012. وذكرت شركة المحاسبة البريطانية “مور ستيفنسون” أن انخفاض التمويل كان السبّب الرئيسي. وفي الوقت نفسه، فإن التكاليف المتزايدة (إيقاف تشغيل بحر الشمال) والتوقعات حول أسعار النفط المنخفضة تقوم بالباقي. إذا كانت الأسواق المالية الدولية ستتولى سيناريوهات يوم القيامة التي قدّمتها مجموعات الضغط والمنظمات غير الحكومية، فإن شركات النفط والغاز المستقلة سوف تتضرّر بشدة. لذلك لا يرغب أي مستثمر في الاستثمار في قطاع أو شركة يبدو أنها ستصل إلى الحضيض في العقد المقبل، خاصة وأن التقارير حول الاحتياطيات، كما قدّمها بنك إنكلترا وجهات أخرى، لا تساعد على الإطلاق في تغيير هذه المفاهيم.
لذلك، لا ينبغي للمستهلكين والسياسيين الغربيين البدء في تشجيع الثورة الخضراء والعمل على نهاية حقبة النفط، فالمستقبل مختلف وقد يكون أقل إيجابية من التقييم الحالي. إن الضغط المالي على شركات النفط العالمية يفتح صندوق باندورا. ومن خلال إزالة عمالقة النفط والغاز الموجودين في السوق من الأسواق العالمية، فإن الطريقة الوحيدة للوصول إلى النفط والغاز ستكون شركات النفط الوطنية. وهي ليست المالك الحقيقي للأغلبية الساحقة من احتياطيات الهيدروكربونات في العالم، وليست مقيّدة بنشاط حاملي الأسهم أو ضغوط المنظمات غير الحكومية.
المحرك الرئيسي لشركات النفط الوطنية هو دعم النمو الاقتصادي المستدام في بلدها الأم أو لدى حكومتها، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع شركات النفط العالمية التي تركز بشكل كامل على قيمة وأرباح المساهمين، كما تملك شركات النفط الوطنية نهجاً وطنياً طويل الأجل تلعب فيه العوامل الأخرى دوراً أقل. ويمكن النظر إلى التركيز المستمر لعمليات التكرير والتصفية في شركات النفط الوطنية كدفع للسيطرة على سلسلة الإنتاج والاستهلاك بأكملها، من الاستكشاف إلى المبيع .
يشكّل هذا الوضع قيمة بالنسبة للمستثمرين المؤسّسيين والمؤسسات المالية الوطنية، حيث إن الجمع بين طول الأجل والملكية والسيطرة الواسعة على سلسلة الإنتاج والاستهلاك أمر جذاب للغاية. ويظهر تصنيف وكالة فيتش AA + لأدنوك في أبو ظبي كيف أصبحت شركة النفط الوطنية جذابة للغاية، حتى أكثر من شركات النفط العالمية في الوقت الحاضر، فالمستثمرون الرئيسيون، وصناديق التحوط والمعاشات التقاعدية، سيكونون مهتمين بالاستثمار في شركات النفط الوطنية، طالما أن الطلب والأرباح موجودان، بيد أن المستهلكين الغربيين والصناعة يجب أن يدركوا أيضاً أن تحويل القوة إلى شركات النفط الوطنية سيعني أيضاً أن أساسيات السوق ستتغيّر، وأن التغيّرات غير المتوقعة المحتملة في العرض ستحدث بإرادة الحكومات، وليس بسبب أساسيات السوق، إذ لا تزال شركات النفط الوطنية مملوكة ومسيطراً عليها من قبل الحكومات الوطنية.
يجب أن تدرك مجموعات الضغط السياسية والبيئية أن الدفع بقوة أكبر من أجل التغيير يمكن أن يؤدي إلى تأثير يرتدّ بشكل غير مرغوب فيه، وإجبار شركات النفط العالمية على تغيير استراتيجياتها الاستثمارية، والتخلي عن المشاريع الأولية المكلفة للغاية، رغم الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار أكثر مما هو متوقع.