عن النظام التركي كطرف ضامن..!؟
على خطورته، لم يكن تصريح “إبراهيم قالين” الناطق باسم الرئاسة التركية حول “عدم واقعية” تسليم بلاده للأراضي التي تحتلها لسورية، منشئاً لواقع جديد، بقدر ما كان كاشفاً لحقيقة المطامع التركية الاحتلالية القديمة التي حاولت بلاده تغليفها في المرحلة الماضية بذرائع إنسانية تارة، وأمنية تارة أخرى، لكن توقيت هذا التصريح “الصفيق” قبل أيام قليلة من اجتماع “أستانا” بدورته الحالية يستدعي أن يكون البند الأول على جدول أعماله هو السؤال عن جدوى استمرار مشاركة أنقرة في هذا المسار بعد هذا الكلام الواضح و”الشنيع” الذي توّج أفعالاً سبقته، وتفوقت عليه بالشناعة والخسّة؟؟!!.
وبالطبع من المفيد، بداية، التأكيد على أن مسار “أستانا” هو المسار الوحيد، من بين المسارات المعنية بالحرب في سورية وعليها، الذي شهد انضباطاً، في اجتماعاته على الأقل، والوحيد الذي قدّم بعض الفائدة التي لا ينكرها أحد، ولكن من الضروري القول: إن هذه الاجتماعات تحوّلت، ومنذ فترة ليست بالقليلة، إلى اجتماعات شكليّة “فولكلورية” لتبادل التحيّات والابتسامات دون مخرجات مفيدة، بل في أماكن معينة، أصبحت هذه “المراوحة” تعرقل وتسوّف خطوات ضرورية ملحّة لحل الأزمة الآن، بل وترفع تكاليف حلّها لاحقاً، مادياً وبشرياً.
ففي الجوهر قامت فكرة “أستانا” على دعامتين أساسيتين: الأولى، إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، وهو ما تفرع عنه “مسار سوتشي” للحوار بين السوريين أنفسهم ثم مقترح “اللجنة الدستورية”، والثانية، بسط الأمن والأمان عبر محاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الدولة السورية، وهو جوهر “اتفاق سوتشي” الشهير بين روسيا وتركيا، وهاتان الدعامتان هما تحديداً ما يقوّضه التصريح التركي الآن وما قوّضه، سابقاً، الفعل التركي ذاته، سواء في المناطق المسماة مناطق “درع الفرات”، أم في “إدلب” التي أصبح من المستحيل التعايش مع وضعها الشاذ تحت سيطرة “جبهة النصرة” الإرهابية، والإمارة المعلنة التي تدعّم ركائزها هناك برعاية تركية كاملة تحت بصر “العالم الحر” وسمعه.
والحال فإن “أستانا” وبفعل خلل جوهري في تركيبته، تمثّل بارتكاز ضلعه الثالث على تركيا أردوغان، ولد “خديجاً”، فالنظام التركي كان، ومنذ اللحظة الأولى، بلداً متورطاً في المأساة السورية وفي منع تحقّق الحل السلمي لها، سواء عبر دعمه للإرهاب وفتح حدوده وفنادقه ومصارفه له، أو وقوفه وراء اللهجة العالية لـ”معارضته” في “مجلس اسطنبول” أولاً، وما تلاه من تسميات تالياً، كما، كان هذا النظام، بلداً فاعلاً في تمزيق الجغرافيا السورية تحقيقاً لطموحاته القديمة باستعادة أمجاد السلطنة العثمانية البائدة، والأهم أنه ونتيجة كونه، تاريخياً، رأس حربة لمخططات “الناتو” في المنطقة، كان ولازال “حصان طروادة” الجديد في مسار “أستانا”، والضلع المائل في المثلث الذي يكوّنه، عبر قيامه بالتخريب من الداخل، مستفيداً من عوامل إقليمية ودولية متشابكة، ومن أوهام البعض باستمالته في سياق صراع دولي كبير لم يعد خافياً على أحد.
بهذا المعنى يصبح السؤال عن مدى صلاحية “أستانا”، بشكله الحالي، للبقاء مشروعاً للغاية بعد أن تحوّل إلى مطية لإطالة أمد الأزمة، بل وترسيخ “تتريك” المناطق السورية في الأماكن المحتلّة، وإذا كنّا نتساءل سابقاً كيف لمن لا يملك دستوراً في بلده، كدول الخليج، أن يطالب بدستور عصري لسورية، فالسؤال الآن: كيف لمن لا يحترم الدستور في بلاده ولا مخرجاته الديمقراطية الانتخابية، كأردوغان، أن يكون مسؤولاً بصورة أو بأخرى عن مسار تشكيل لجنة دستورية في بلد آخر؟؟!!، وأي دستور سيساهم بكتابته أتباعه سوى دستور “الملل والنحل”؟؟!!.
خلاصة القول، إذا كانت الواقعية السياسية تفترض من السياسيين التمسّك بأي مبادرة أو مسار سلمي مهما كانت معوقاته ومصاعبه و”كمائنه”، وبالتالي انتظار مخرجات اجتماع الغد علّ وعسى..، إلا أن المقدمات تشي بالنتائج كما يقال، ما يفترض بنا القول بصوت عال: حتى “أستانا” المدينة غيّرت اسمها، فلما لا نطالب بتغيير قواعد “مسارها” وفرض عقوبات على من يتجاوزه ويتلاعب به من بين الدول الضامنة على الأقل؟؟!!.
أحمد حسن