تحقيقاتصحيفة البعث

واقعها غير مرض الجودة تبحث عن معايير.. وتحقيق الاشتراطات الدولية يعزز الحضور على خارطة الإنتاج العالمية

بعد أن قطعت سورية أشواطاً كبيرة في العمل على ضبط الجودة، سواء على المنتجات والخدمات المحلية أو المستوردة، ووصلت إلى مستوى عال بهذا الخصوص، وحصلت الكثير من المنشآت على شهادات دولية في تطبيق الجودة “الايزو” في مرحلة ما قبل الأزمة، وأصبح الحصول على هذه الشهادات أساسياً في أية منظومة عمل، إدارية كانت أو إنتاجية، تغيرت الظروف، واختلف الوضع  نتيجة الأزمة التي تعرّضت لها سورية، وتأثرت هذه المعايير نتيجة جملة من الإجراءات، على رأسها العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على سورية، وبات لزاماً في المرحلة القادمة إعادة عجلة الجودة إلى مسارها بعد إيجاد عدد من الضوابط لتطبيقها.

واقع صعب

الأستاذ هشام كحيل، رئيس الجمعية العلمية للجودة، أشار إلى أن واقع الجودة غير مرض في الفترة الحالية نظراً لعدة عوامل أهمها عدم وجود علامة جودة سورية، بل شارة مطابقة، أو شهادة مطابقة، والفرق بينهما أن الشارة دائمة، والشهادة تعتمد بحسب الإرسالية، وأن وضع مراقبة ضبط الجودة في الحالة الوطنية غير مكتمل العقد نظراً لجملة من الصعوبات التي تعانيها، لأن مراقبة الجودة تلقى على عاتق عدة جهات فقط مثل وزارة التجارة الداخلية، ووزارة الصناعة، وهذه الجهات لا تلبي مراقبة الجودة بشكل كاف نظراً لاقتصار أعمالها ضمن بعض المخابر الحكومية، رغم أنها معتمدة بشكل رسمي دولياً، واعتمادها بشكل أساسي على تحليل الغذاء والدواء فقط.

وأضاف كحيل بأنه لا يمكن إنكار أن الجودة باتت مطلباً ملحاً، وقد وضعت على سلم أولويات الحكومة، حيث لاحت تغييرات في هذا المجال من خلال  محاولات للاعتماد على الجودة وضبطها كعوامل أساسية في تسيير عجلة الإنتاج بمختلف نواحيه وأنواعه، علماً أن الجودة لا ترتبط بنوع معين من الأعمال، بل تشمل كافة المتطلبات الإنتاجية، والخدمية، والإدارية، وفي هذا السياق، وبرغبة الحكومة للعمل المنهجي لتحسين المنتجات المحلية، تم إنشاء الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، وتأسيس الجمعية العلمية للجودة، وإقرار إنشاء المكتب الناظم للجودة، ويتبع لرئاسة مجلس الوزراء كمشرف وضابط لعمل الجودة بالاشتراك مع مجموعة من الهيئات والجمعيات صاحبة العلاقة.

طموح

ولفت كحيل إلى أن تشكيل الجمعية العلمية للجودة جاء رديفاً للمكاتب الحكومية الموجودة، ويهدف بشكل أساسي إلى نشر ثقافة الجودة، وتوطين علومها وأساليبها في سورية، وتبادل الخبرات وتعميمها بين المهتمين على المستويات: “المحلي، والعربي، والدولي” لتحقيق رؤية مفادها “جعل الجودة جوهر الحياة في المجتمع”، وذلك للارتقاء بأداء المؤسسات، وتعزيز قدراتها التنافسية بما يحقق مستقبلاً زاهراً للوطن، وحياة أفضل للمواطن، لأن الجودة وضبطها باتت من الأساسيات في المرحلة القادمة، خصوصاً بعد أن لاحت خواتيم انتهاء الأزمة في سورية، وتحقيق الانتصار، حيث أصبحت الجودة في مرحلة إعادة الإعمار مطلباً ملحاً للنهوض بالبلد وفق معايير مختلفة توازي المعمول بها عالمياً لتنبعث سورية من رماد حربها، وتنطلق كدولة قوية مبنية على أسس متينة وعلمية، مع التأكيد أن للجودة دوراً بارزاً في المجتمع، لأن المنتج عندما يأخذ شهادة جودة يأخذ طريقه إلى الأسواق الداخلية والخارجية بسلاسة، وبسهولة أكبر من حالة عدم وجودها.

تطبيقات عملية

بدوره الأستاذ محسن حلاق، مدير عام الهيئة السورية للمواصفات والمقاييس أكد أن تشكيل الهيئة جاء لتحقيق مجموعة من الأهداف، وعلى رأسها وضع مواصفات للمنتجات التي لم تحصل على مواصفة، ووضع معايير، وإجراء قياسات، والإشراف على قانون القياس، وإجراء معايرة للمنتجات التي تتطلب معايرة، سواء كانت سلعية، أو خدمية، والإشراف على مراقبة مدى تطبيق المواصفات، بالإضافة إلى إعطاء شهادات مطابقة ومعايرة لقياس الأداء.

وأضاف حلاق أن القياس والتقييس جزء أساسي من منظومة الجودة التي تضم التقييس “المواصفات”، والقياس، والاعتماد، والمطابقة والتفتيش، ومراقبة الأسواق، ووضع اللوائح الفنية والتشريعات، وهنا يجب الإشارة إلى أن هذه المنظومة يجب أن تتكامل للوصول إلى الجودة كبيّنة متكاملة، وتعتبر المواصفات اللبنة الأساسية للجودة، وهنا يجب الإشارة إلى أن شهادة الجودة ليس بالضرورة أن تنعكس إيجاباً على المنتج، علماً أنه لا توجد علامة جودة سورية، بل شهادات مطابقة، أو شارات دولية.

مراقبة دولية

وبيّن حلاق أنه في مرحلة ما قبل الأزمة كان هناك برنامج الرقابة على المستوردات، وتم التعاقد مع شركتين، إحداهما سويسرية، والأخرى فرنسية، حيث كان صلب عملهم الرقابة على المستوردات، ووضع شارات مطابقة وجودة عليها، والتفتيش على المخالفات إن وجدت، وكان العمل يتم بمساعدة منظمات المجتمع المدني المسؤولة عن هذا الشق لتطبيق أعلى معايير الجودة، ولكن العمل مع هذه الشركات والمنظمات توقف عام 2012 نتيجة الأزمة السورية.

وأضاف حلاق بأن منتجاتنا عندما تطابق أو تماثل المواصفات الدولية تكون ممتازة، ويتم إعطاء شهادات الجودة لها من خلال اعتماد الشفافية، والاتفاق العام محلياً ودولياً، حيث توضع المعايير من قبل أصحاب المصلحة، ويتم إبداء الرأي وفق أسس علمية وفنية، ويتم إجراء دراسة للشريحة المستهدفة، والعائد العام والفردي، وبعدها يتم وضع معايير لهذا المنتج، ويتم تشكيل لجنة فنية لوضع جدول زمني لمناقشة المواصفة بحسب قطاعها، كما يتم منح المواصفات الدولية “الايزو” على المنتج بما لا يتعارض مع الحالة الوطنية.

تحديات

أما مديرة المكتب الناظم للجودة في رئاسة مجلس الوزراء رانيا عبد ربه فقد أوضحت أن الجودة هي ملاءمة الشيء للغرض المطلوب، وقد تم إقرار المكتب الناظم للجودة لإيجاد آليات تنسيق بين الجهات المعنية لتطبيق معايير الجودة، ومراقبة الإنتاج، ومطابقته للمواصفات، وتعد أبرز مهام المكتب متابعة سوية التأهيل الفني في الجهات المعنية بتطبيق الجودة، وخصوصاً من يقوم بالاختبار والتقييس والقياس، ومنح الشهادات، والعمل على ضمان وجود قنوات تواصل فعالة لتلبية احتياجات القطاع الإنتاجي السوري من خدمات، وبنية تحتية للجودة، لأن الخدمات في حال توافرها وفق السوية المعتمدة دولياً تؤدي لتخفيض الهدر، وتطوير الإمكانات، وتساعد على الابتكار، وتدعم عملية الإنتاج بكفاءة وفعالية، ما ينعكس إيجاباً على القدرة التنافسية للمجتمعات الوطنية داخلياً وخارجياً.

وأضافت عبد ربه بأن أحد أهم الأهداف الرئيسية لعمل المكتب الناظم للجودة هو تنظيم أداء المؤسسات المعنية بالجودة في سورية بما يكفل نفاذ الصادرات السورية إلى الأسواق الخارجية، وتلافي العوائق الفنية أمام التجارة، مع التأكيد على أن الجودة في مرحلة إعادة الإعمار لم تعد خياراً بل تحدي وجود على خارطة الإنتاج العالمية، والتحدي الأكبر هو وجود قطاع سورية الإنتاجي في المرحلة المقبلة أولاً، فإذا لم نكن قادرين على تحقيق الاشتراطات الدولية لعمل البنية التحتية للجودة سنكون غير موجودين على خارطة الإنتاج العالمية.

وكشفت عبد ربه أن المكتب الناظم للجودة يعمل على إيجاد أدوات التحقق في المنتج الخدمي، حيث أصبح هناك تفتيش، وتقييس، وفحص الشهادة بعد تطبيق المعايير ومكوناتها مع لصاقة التعريف الخاصة بها، وللوصول إلى الحالة الفنية الملائمة لإيجاد جودة حقيقية يجب تعديل آليات عمل الوزارات والهيئات بموضوع الجودة بما يساهم بشكل طردي مع الارتقاء بالعمل، وتحقيق الإيجابية المطلوبة.

من الآخر

يبدو أن الجودة في سورية بدأت بالانطلاق إلى تحقيق معاييرها المثلى من خلال جملة من الإجراءات، وبمساعدة كافة الهيئات الموجودة التي يتم إنشاؤها للانطلاق بالحالة الإدارية والإنتاجية بالشكل الأمثل، وهنا المطلوب هو وضع رؤية موحدة لكافة هذه الهيئات والجمعيات لإيجاد حالة جودة متميزة كما كان مخططاً لها في مرحلة قبل الأزمة.

مرهف هرموش