لم تعد الدفة بيد الولايات المتحدة
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “تشاينا ديلي” 19/4/2019
لا تزال الولايات المتحدة تتوهم أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم، لكن يبدو أن اللحظة قد حانت لإيقاظها من حلمها الجميل، فهيكل النظام الدولي قد تغيّر تغيراً ملحوظاً، وباتت التعدّدية القطبية هي المعيار العالمي، وتتقدم بمرور الزمن، وتلاشت سطوة الولايات المتحدة على العديد من الدول التي لم تعد تهابها، بل وتتحداها.
صنّفت الولايات المتحدة رسمياً الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية في محاولة لعزل إيران عن المجتمع الدولي، ولم يكن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 نيسان بأنه سيصنّف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية مفاجئاً، لكنه استدعى تحركاً سريعاً مضاداً من جانب مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، إذ وصف في الليلة نفسها القيادة المركزية الأمريكية وقواتها المتواجدة في غرب آسيا بأنها منظمات إرهابية.
أدى التبادل الملتهب للمزاعم والمزاعم المضادة بين الولايات المتحدة وإيران إلى اعتقاد البعض أن أرجحية نشوب صراع مباشر تزداد بمضي الوقت، ما قد يوقع الشرق الأوسط بالفوضى. لكن من المستبعد اندلاع صراع بالرغم من تصاعد التوترات بين الجانبين وتدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية لتصل إلى مستويات متدنية، وأغلب الظنّ أن الولايات المتحدة تصرفت بتهور من خلال تصنيف أحد أذرع جيش دولة ذات سيادة كمنظمة إرهابية، كما أثار تحرك البيت الأبيض هذا جدلاً في الولايات المتحدة أيضاً.
إذن ما الذي تتوقع إدارة ترامب أن تحقّقه بقيامها بهذه الخطوة؟ تأمل الولايات المتحدة بادئ ذي بدء الضغط على حلفائها في الغرب لدعم سياستها تجاه إيران، وكذلك اتخاذ إجراءات ضد الدول التي حافظت على علاقات طبيعية مع إيران، واستخدمت مراراً مثل هذه الحيل لفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي استمرت في التعامل مع إيران.
وبصرف النظر عن كونه جناحاً عسكرياً يضمّ الصفوة، يتمتّع الحرس الثوري الإيراني أيضاً بالكثير من النفوذ في المجال السياسي والاقتصادي في إيران، ولدى عدد من الشركات في دول الاتحاد الأوروبي علاقات تجارية وثيقة مع الشركات الإيرانية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني أو التي تتبع له.
وتظنّ الولايات المتحدة أن بإمكانها، عبر وصفها الحرس الثوري الإيراني بأنه منظمة إرهابية، الاحتفاظ بمزيد من وسائل الضغط لإجبار الشركاتِ التي تتعامل مع إيران وحلفاءِ واشنطن الأوروبيين على إتباع سياستها تجاه إيران، ولم تخجل قط من جعل نيّتها واضحة، ومع ذلك لم تطع أي دولة أوامر الولايات المتحدة، خاصة منذ انسحاب واشنطن أحادي الجانب من الصفقة النووية الإيرانية، لذلك يبدو من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق هدفها.
ثانياً، تهدف واشنطن إلى تأزيم النزاعات بين الدول العربية وإيران، بغرض تخفيف استياء حلفائها العرب منها بسبب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل واعترافها بمرتفعات الجولان كأرضٍ إسرائيلية. وبهدف خدمة مصالحها في الشرق الأوسط، تبدأ واشنطن لعبة سياسية جديدة وتشجع على بناء نسخة عربية من الناتو في المنطقة، وإن كان ذلك لم يؤتِ نجاحاً يُذكر حتى الآن.
ثالثاً، تعتزم الإدارة الأمريكية مدّ يد العون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فاز لتوه بولاية خامسة، ويعتقد كثيرون أن خطوات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كانت تهدف إلى مساعدة نتنياهو على الفوز في الانتخابات.
وبمعزل عن “العلاقة الشخصية” التي تجمع بين ترامب ونتنياهو، قدّمت الإدارة الأمريكية هذه “الهدية السخية” لنتنياهو أيضاً بسبب “صفقة القرن” التي قامت بها واشنطن بشأن إسرائيل وفلسطين، والتي تطلّبت عامين لصياغتها. وهناك نقطتان واضحتان بالرغم من أن المحتويات المحدّدة للصفقة لم يتمّ نشرها رسمياً، أحدهما أنها ستساعد على تلبية احتياجات تل أبيب، وخاصة تلك المتعلقة بالأمن، والأخرى أن إسرائيل ستنصاع لبعض مطالب الولايات المتحدة.
وإن وضعنا بالاعتبار أن الولايات المتحدة وإسرائيل أجرتا عدة جولات من المحادثات حول هذه القضية، يبدو أن إعادة انتخاب نتنياهو كانت شرطاً أساسياً لاستمرار الترويج للصفقة، ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار تحركات الولايات المتحدة ليس تقديم مساعدة لنتنياهو وحسب، وإنما كشرط اشترطته إسرائيل لتقديم تنازلات ضرورية في الصفقة أيضاً، لهذا السبب غرّد نتنياهو على تويتر “شكراً يا صديقي العزيز، الرئيس دونالد ترامب، لاستجابتك لأحد طلباتي الهامة” بعد أن أعلن ترامب أن الحرس الثوري الإيراني سيُدرج كمنظمة إرهابية.
ولكن يحوم هناك سؤال حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تنجح في تقديم يد العون مقابل إبرام “صفقة القرن”، فلم تعد الولايات المتحدة في آخر الأمر صاحب القرار الوحيد في العلاقات الدولية، بما في ذلك شؤون الشرق الأوسط.