التسعير كمعيار عادل؟
لكل سلعة قيمتان مادية واقتصادية، وهنا يجب التفرقة بين الثمن والسعر، فالأول يعبر عن كمية النقود التي يمكن بها مبادلة كمية معينة من سلعة ما، أما السعر فهو عدد وحدات النقود التي يمكن بها مبادلة وحدة واحدة من السلعة، ويتحدد السعر وفقاً لجانب العرض والطلب.
ولكن ما دور كل منهما في تحديد السعر؟ العرض يحدد السعر الذي يكون المنتجون عنده على استعداد لعرض السلعة، أما الطلب فيحدد الكميات التي يكون المشترون على استعداد لشرائها عند هذه الأسعار.
بناء عليه، يتضح لنا أن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة يتوقف على مقدار الأرباح لعناصر الإنتاج الربحية (رأس المال والتنظيم)، وهذا المقدار يحدده المنتجون الذين يمثلون جانب العرض، وتحديد الربح العادل يعتمد على ضمير المنظمين، وهنا نكاد نجزم أن الاعتماد على الضمير في تحديد الأسعار، قد أصبح ضرباً من السذاجة.
ويمكن القول: إن السعر (سواء تعلق الأمر بعناصر الإنتاج أو بالسلع الاستهلاكية) يحدد بشكل أساسي نمط توزيع الدخل القومي، كما أن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة، هو من الأهمية بمكان لتحديد نمط وتوزيع الدخل القومي…
من المعروف أن الأفراد يحصلون على دخل نظير مشاركتهم في النشاط الاقتصادي بعناصر الإنتاج المملوكة لهم؛ لذلك فإن تطابق أسعار عناصر الإنتاج مع قيمتها يجعل عملية التوزيع تتم حسب مقياس حقيقي، ويتمكن كل عنصر إنتاجي من الحصول على مقابل عادل لمساهمته في النشاط الاقتصادي دون أن تتعرض فئة لظلم فئة أخرى.
فمثلاً: لو انخفض سعر أحد العناصر عن قيمته الحقيقة، فسيؤدي ذلك إلى حرمان ملاك هذا العنصر من جزء من الدخل المستحق لهم، وتستحوذ عليه فئة أخرى دون مشاركة فعلية في النشاط الاقتصادي، كذلك فإن ارتفاع الأسعار للسلع الاستهلاكية عن القيمة الحقيقية، يؤدي إلى دفع المستهلكين جزءاً أكبر من دخلهم مقابل حصولهم على نفس القدر من السلع، وهذا يعني أن جزءاً من دخول المستهلكين ينتقل إلى فئة أخرى دون مشاركة فعلية بالنشاط الاقتصادي في المجتمع.
وعلى ذلك فإن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية سواء تعلق الأمر بعناصر الإنتاج أو بالسلع الاستهلاكية يضمن حصول كل فرد في المجتمع على مقابل عادل لمساهمته في النشاط الاقتصادي، ويساهم ذلك في تحقيق التوزيع العادل للدخل القومي على أفراد المجتمع.
مما سبق نرى ضرورة تدخل الدولة في تحديد هامش الربح بنسبة تراوح ما بين 15-20% من إجمالي التكلفة الفعلية للسلعة، وإنشاء جهاز لترشيد الأسعار، وإعداد قائمة أسعار للسلع الاستهلاكية تسمى قائمة ترشيد الأسعار، على أن يكون هذا الجهاز تابعاً للرقابة الإدارية أو لجهاز حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية، حتى لا يترك الحبل على الغارب لارتفاع الأسعار بسبب ومن دون سبب.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com