مع استمرار التعدي على الحراج الغابات والغطاء النباتي في انحسار.. وتجارة الخشب تنتعش!
مسلسل التعدي على الحراج يأبى أن يتوقف، والمشهد مستمر طيلة العام، ويبدو أن الإنسان يعاند الطبيعة، ويرد لها قسوتها، فما شهدناه من أمطار ورياح وصقيع خلال الموسم الشتوي الحالي قابله غضب الإنسان بالنيل من الطبيعة بالقطع اللاواعي واللامسؤول لأشجار وغابات وأحراج الدولة، وتتسارع وتيرة “قتل الغطاء النباتي” في فصل الشتاء نظراً للحاجة الماسة إلى التدفئة في ظل قلة الوقود اللازم، وارتفاع ثمنه، وقسوة المناخ، وفي باقي الفصول يسعى تجار الحطب جاهدين لتفحيم وإحراق الأحراج لقطعها وبيعها للمواطنين، ولاسيما ساكنو الأرياف بأسعار كبيرة، بعد أن امتهنوا التعدي على الأحراج، وبرعوا في تجارة الأحطاب التي تدر لهم دخلاً خيالياً على مدار العام، ولكن، هل هذا التعدي الجائر على أشجار عمرها عشرات السنين بشكل يومي ومستمر مبرر؟ وما إجراءات الجهات المعنية حياله؟.
17% مساحة غابية
تتركز الثروة الغابية الرئيسية في كل من القدموس/12750/ هكتاراً، والشيخ بدر /4944/ هكتاراً، وبانياس/4564/ هـ، وصافيتا /4144/ هـ، وطرطوس/3377/ هـ، والدريكيش /1427/ هـ، وبهذا تكون المساحة الكلية /31206/، وتحتل مساحة الغابات كنسبة مئوية 17% من مساحة طرطوس، حسب ما أشار إليه المهندس حسن ناصيف رئيس دائرة الحراج في زراعة طرطوس، مبيّناً أن أشهر أنواع الأخشاب خشب صنوبر كينا/ صناعي وقيد/، وينتج مشروع التربية والتنمية من الحطب سنوياً حوالي 500-10000 طن يتم بيعه لذوي الشهداء، وسكان القرى الحراجية، بما لا يتجاوز 500 كغ للأسرة الواحدة عن طريق لجان بيع متخصصة في كل منطقة، وسعر الطن حسب النوع، حيث يصل سعر الطن من صنوبر وقيد /15000/ ل.س- 12 ألفاً، صنوبر صناعي 25000 ل.س، كينيا- أكاسيا- وقيد 12000 ل.س، خشب كينا- كازورينا صناعي 20000 ل.س.
الخطر الأكبر
يصل عدد مراكز البيع إلى خمسة مراكز تنتشر في: مركز تجميع صافيتا، عين عفان، ومركز تجميع أحطاب الدريكيش، النبي متى، ومركز تجميع أحطاب طرطوس، مشتل زراعي طرطوس، بيت كمونة، إضافة إلى مركز تجميع أحطاب الشيخ بدر والقدموس /الفنيتق الرامة/.
وبرأي المهندس ناصيف فإن أسباب التعديات على حراج الدولة تختلف باختلاف المخالفين، فبعضهم بحجة الحاجة للتدفئة نظراً لعدم توفر وسائل التدفئة، وغلاء أسعارها، والبعض الآخر بهدف الإتجار أو زيادة ملكيته الزراعية، ولا يوجد ما يبرر هذه التعديات على الإطلاق، لأن الحراج ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها، لافتاً إلى أن الحرائق تشكّل الخطر الأكبر الذي يهدد غاباتنا ومواقعنا الحراجية، حيث سجل أكبر عدد للحرائق في منطقة طرطوس بمساحة/87/ دونماً، أما بالنسبة لضبوط الكسر فسجل أكبرها في منطقة الشيخ بدر، ويبلغ عدد عناصر الحراجية 109 عناصر موزعة على المخافر الحراجية البالغ عددها 21 مخفراً، يقومون بتطبيق قانون الحراج رقم /6/ لعام 2018، وقانون الضابطة الحراجية من خلال تسيير دوريات يومية على المواقع الحراجية، وجولات الحراس الحراجيين، ومشاهداتهم اليومية، ليصار إلى قمع أية مخالفة فور الكشف عنها.
وبيّن رئيس دائرة الحراج عدم وجود رخص للتحطيب، وإنما يتم منح رخص للمواطنين من أجل تنظيف أو استصلاح أراضيهم، وذلك في العقارات الزراعية العائدة ملكيتها لهم حصراً، وليس في حراج الدولة، وفق شروط حددها قانون الحراج رقم /6/ لعام 2018، وتعليماته التنفيذية رقم 103 لعام 2018، بحيث لا تزيد التغطية الحراجية لهذه العقارات عن 60% من المساحة الكلية، وللمساهمة في وقاية ومكافحة حرائق الغابات، واستثمار الغابات في مناطقها، جاء نص قانون الحراج بتشكيل لجان أهلية بقرار من الوزير تضم ممثّلين عن اتحاد الفلاحين، والبلدية المختصة، والجمعيات الأهلية لدراسة الطلبات المقدمة من المجتمع المحلي، واقتراح تشكيل لجنة أهلية في القرية.
أضرار بيئية واقتصادية
وحسب ناصيف فقد بلغت قيمة الأضرار بما يقارب 57 مليون ليرة سورية نتيجة الحرائق التي تعرّضت لها المواقع التي تحتاج إلى العديد من السنوات لتعود إلى ما كانت عليه، حيث تدخل هذه المواقع ضمن خطة التحريج الاصطناعي لعام 2018-2019 ليصار إلى زراعتها بالغراس الحراجية المناسبة.
وحول الإجراءات المتخذة من قبل دائرة الحراج، أفاد المهندس ناصيف بأنه تم تشكيل 24 فرقة إطفاء موزعة على مراكز الحماية، وبعض المواقع الحراجية الهامة، موزعة بالآليات والعمالة اللازمة وفق ما هو متوفر، وتم وضع خطة لمكافحة الحرائق من قبل محافظ طرطوس، وضعت بموجبها جميع إمكانيات المحافظة ومديرياتها تحت تصرف مديرية زراعة طرطوس للمساهمة في إطفاء الحرائق.
وبيّن ناصيف أن 396 ضبطاً نظّمت بحق المخالفين خلال عام 2018 لمخالفات متنوعة شملت الكسر، والقطع، والتفحيم، والحرق، وحسب القانون فإن عقوبة من يقطع الأشجار الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وغرامة مالية تصل من 500 ألف إلى مليون ليرة لكل من أقدم على قطع وتشويه الأشجار والشجيرات الحراجية، أو القيام بأي عمل يؤدي إلى إتلافها.
وأوضح رئيس دائرة الحراج عن خطة إنتاج الغراس لموسم 2018 و2019 بأنها: /300 ألف غرسة، نفذ منها 165 ألفاً، ولايزال العمل مستمراً بالأنواع الطبيعية المتبقية، والمقرر في خطة التحريج الاصطناعي 48,5 هكتاراً، نفذ منها 40,17 هكتاراً، بعدد غراس 15456 غرسة صنوبر ثمري، وكينا، وأرز، وغار.
نتائج كارثية
ومما لا شك فيه أن التعدي الخطير على الغابات يلحق نتائج كارثية على المدى البعيد، حيث أكد الدكتور علي داود، مدير بيئة طرطوس، أن الاعتداء على الحراج والأشجار بالقطع سيؤدي إلى تدهور الغابات وانحسارها، ولهذا تأثيرات بيئية واقتصادية خطيرة أهمها حرمان محافظة طرطوس من أهم مورد يشجع على السياحة، وتدهور وانجراف التربة بسبب معدلات الأمطار العالية في المناطق الطبيعية، وهذا له آثار كارثية على خصوبة التربة، وانخفاض إنتاجيتها الزراعية، وفقدان المناطق الحراجية، وتراجع مساحتها يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي الذي سينعكس على كل مناحي الحياة والمجتمع، وفقدان المصادر الجينية النباتية، لأن غابات طرطوس مصدر مهم للأصول الوراثية للأشجار المثمرة، وبعض المحاصيل، كذلك فقدان مصدر مهم لتلطيف بيئة المناخ المحلي من تلطيف درجة الحرارة، وترطيب الجو، إضافة إلى خسارة جزء كبير من مخزون المياه الجوفية، وجفاف الينابيع صيفاً لتراجع مساحات الغابات، وفقدان مصدر مهم للغذاء والطاقة، فتراجع الغابات سيؤدي إلى تراجع كبير في إنتاج الثمار البرية، والفطور، والنباتات الطبية، والعطرية.
تكامل الأدوار
يتم التعاون بين بيئة طرطوس ودائرة الحراج، حسب ما قاله داود من خلال تكامل الأدوار، فدائرة الحراج، ومديرية الزراعة صاحبة الصلاحية والعلاقة في تنمية الثروة الحراجية وحمايتها من خلال تطبيق قانون الحراج، ويتجلى دور البيئة في التوعية البيئية، ووضع الدراسات والخطط الإدارية في مجال السياحة البيئية المتعلقة بالغابات، وفي مجال إدارة وتنظيم المحميات والحدائق الوطنية.
ويرى د. داود بأن أبرز السبل للحد من قطع الأشجار وحماية الغابات يكمن في تنمية المجتمعات الريفية، وخلق فرص عمل، ومشاريع صغيرة صديقة للبيئة، ولاسيما المشاريع التي تعتمد على السياحة البيئية للغابات، والاستفادة من النباتات الطبية والفطور البرية، ولابد من التوعية البيئية، والتشدد في تطبيق التشريعات والأنظمة التي تحمي الغابات والبيئة.
مسؤولية مشتركة
لأن الحراج تشكّل ثروة وطنية قيمة، لذا فإنه يتوجب على جميع المواطنين بكافة فئاتهم وأعمارهم الحفاظ عليها، والتبليغ عن أية إساءة تلحق بها، كما لابد من زيادة التوعية البيئية، وتبيان الآثار والمنعكسات الخطيرة بخسارة الغطاء النباتي، كذلك التشدد في تطبيق القوانين والتشريعات التي تحمي البيئة، إضافة إلى مساعدة المواطنين في الحصول على الأحطاب بفتح مراكز بيع والتوسع بها، وذلك للإبقاء على ما حظينا به من أشجار تزودنا بالهواء، وتنعش في الروح أملاً!.
دارين حسن