ترامب يفقد خيوط اللعبة
كل الأنظار تتجه نحو مضيق هرمز، بعدما أقرّ ترامب حزمة العقوبات الأقسى على إيران، والمقرر سريان مفعولها مطلع أيار المقبل، وتهدف إلى تصفير صادرات النفط الإيراني إلى ثماني دول، بينها الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والتي كانت معفاة من العقوبات الأمريكية في الحزمة الأولى.. وكالعادة هدد الرئيس الأمريكي، وتوعّد كل من لا يستجيب للمطالب الأمريكية بالويل والثبور، كيف لا وهي الفرصة الأخيرة له للإبقاء على الهيمنة الأمريكية، والحفاظ على الأحادية القطبية بعد سلسلة من الهزائم والفضائح المتلاحقة التي لم تبق في جعبته سوى اللعب على أمجاد امبراطورية في طور الانكماش والسقوط؟!.
يرى ترامب أن فقدان إيران لنحو 40 بالمئة من اعتماداتها الاقتصادية العائدة من صادراتها النفطية يعني تجويع شعبها وانقلابه على حكومته، ويعتقد أن دول شرق آسيا لها مصالح مع أمريكا أكبر مما يربطها مع طهران، ما يعني قبولها وقف استيراد النفط الإيراني، خاصة بعدما تعهّدت السعودية والإمارات تعويض الإمدادات النفطية الإيرانية إلى شرق آسيا.
من هنا تبدأ المشكلة، حيث إن ترامب، الذي لا يفقه ” ألف- باء” السياسة، يبني استراتيجياته على فهم سطحي للأمور، ولا يكلّف نفسه عناء قراءة التاريخ، بل إنه يتخذ قرارات مصيرية خلال سهرة عائلية، ويبدو أنه لا يعلم أن إيران موضوعة تحت الحصار والعقوبات الغربية منذ أكثر من أربعين عاماً، ورغم ذلك استطاعت أن تصل إلى الفضاء، وتطوير التقنية النووية، وتحقيق شبه اكتفاء ذاتي من السلع، ما مكّنها من تأمين حياة كريمة لشعبها المتمسّك بثورته، أما الإملاءات الأمريكية على دول كبرى بحجم الصين، فهذا تعدّه بكين مساساً بالسيادة الوطنية، وهي في النهاية ليست مضطرة كي يسجّل عليها ترامب نقاطاً تخرجه من عنق الزجاجة، التي وضع نفسه فيها جراء حماقاته وسياساته الرعناء.
إذاً خيوط اللعبة لم تعد في يد أمريكا في ضوء التململ الأوروبي من قراراته، ومواجهته هذه المرة مع دولة لا يستهان بها عسكرياً واقتصادياً وبشرياً، فعندما تهدد طهران بإغلاق المضائق، في حال اضطرت، فهي قادرة على ذلك، ففي المواجهات المفتوحة يحق لأي دولة الدفاع عن أمنها ومصالح شعبها بكل الوسائل المتاحة هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الدول التي تريد واشنطن استخدامها كورقة لإخضاع إيران تقع خارج المجال الحيوي الأمريكي، وبالتالي ليس أمام ترامب من خيار سوى خيار إعلان الحرب الشاملة لمحاولة إركاع إيران، فهل هو قادر على ذلك خاصة أن الداخل الأمريكي يواجه انقساماً حاداً لمجمل السياسة الترامبية تجاه إيران حتى إن الديمقراطيين بدؤوا يروجون، من الآن، للعودة للاتفاق النووي في حال وصولهم في الانتخابات المقبلة إلى البيت الأبيض، ناهيك عن الأزمات التي تلاحق ترامب وفشله في كل محاولاته التدخلية، بدءاً بأمريكا اللاتينية، مروراً بمنطقتنا، وانتهاء بشرق آسيا.
هي عوامل بالمجمل تجعل العقلاء في الإدارة الأمريكية يفكرون ألف مرة قبل إطلاق الرصاصة الأولى.
في النهاية، وبالنظر إلى أرض الواقع وبعيداً عن نفخ العضلات المترهلة، فإن أمريكا لن تشن حرباً غير مضمونة النتائج، ومضيق هرمز لن يغلق في وجه الملاحة الدولية، لكن حال اللا سلم واللا حرب لا بد أنه سيفضي إلى سباق تسلح جديد.
عماد سالم